رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أوراق مسافرة

«لو كان قلبى معى ما اخترت غيركم ولا رضيت سواكم فى الهوى بدلا، لكنه راغب فى من يعذبه، وليس يقبل لا لوما ولا عدلا» غنت فيروز تلك الكلمات الأندلسية بحنجرتها الذهبية بقناعة إنسانية وفنية فريدة، معانٍ لا تقل عمقًا عن كلمات الشاعر أبى فراس الحمدانى وغنتها أم كلثوم «أراك عصى الدمع» فأبدعت وهى تطربنا بتفاصيل العذاب الإنسانى الذى يعانيه العاشق من المحبوب «معللتى بالوصل والموت دونه، إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر تعِب ونَصِب»، إنها معانٍ تكشف ولا أقول تفضح تمسك المحب بمن يعذبه، حتى وان بلغ به الوله والحرمان إلى الموت ظمأ ولهفة، فيما الحبيب لاهٍ، مشغول، غير مبال، إنها النفوس التى تعشق جلادها، ومعذبها فلا تسلاه وان كان نصيبها حرمانا وموتا معنويا أو حقيقيا.

قد أكون اطلت فى مقدمة شعرت بضرورتها على المستوى الإنسانى المحدود بين جلاد وعاشق لهذا الجلاد، مستمرئ للعذابات، يستمد أنفاسه البائسة من الكربون الذى يلفظه الجلاد، لأخرج بها إلى صورة اكبر وأشمل، وهى حب والتفاف فئة أو جماعة حول من يرأسهم أو يقودهم أو حول زعيم، ديكتاتور، شرس، ينكل بهم، يذلهم، يقتلهم، أو يصل بقهره لهم إلى حد الموت، أو حد تمنى الموت، رغم ذلك لا يتنازلون عنه، لا يفكرون حتى فى عصيانه أو الثورة ضده، يعتبرونه هو كل العالم وحدود الوطن، وانهم بدونه لا شيء، ولن يكونوا.

وما يفعله كيم جونغ أون رئيس كوريا الشمالية مثال فج على عشق البشر للجلاد حتى الثمالة أو الموت، تولى كيم العرش بعد وفاة والده فى ديسمبر 2011 وهو فى السادسة والعشرين من عمره، وكان هو «الوريث الأعظم»، وورث مع العرش الحقيبة السوداء التى تتحكم فى السلاح النووى ويرجع تاريخها لعام 1962، ويتعامل كيم مع هذه الحقيبة وكأنها لعبة صغيرة فى يده، يلوح بتحريك أزرارها فى كل أزمة، سواء كانت تستحق أو عابرة، وخلفه شعب يصفق ويهلل، ولا يمكن لصوت معارض واحد أن يعلو أو يلوح بالظهور.

الإعدامات التى ينفذها «كيم» سأتحدث عنها لاحقاً، ولكنى سأعرض للأحكام التى أرى أنها الأكثر خطورة من الإعدام على الشعوب، وهى مصادرة، بل إعدام الحريات كاملة وبكل أشكالها، لأن إعدام شخص أمر ينهى حياته مرة واحدة، أما إعدام أو مصادرة حرية، يجعل الإنسان يموت الف مرة وهو لا يزال يتنفس، فيتحول لمجرد جثة تتحرك، لا تفكر، لا تقرر، لا تحلم بمستقبل، فقط تطيع، تنفذ محنية الرأس ولا ترفع حتى عينها لتشاهد وجه جلادها.

فالزعيم «كيم» يحظر استخدام وسائل الإعلام المفتوحة بكل أنواعها، فقنوات الراديو أو التليفزيون رسمية قومية ومحددة، غير مسموح لأجهزة الاستقبال الهوائية سواء للتليفزيون أو الراديو باستقبال قنوات فضائية خارجية، لأن كل الإعلام الفن والثقافة محدد ومسئول عنه الدولة، ومن يخالف وترصده اجهز المراقبة والأمن يستقبل أى فضائيات من عوالم خارجية يتم إعدامه فورا، فتقريبا الجيل الحالى والجيل السابق له، لا يعرفون أى شيء عن ثقافات أو سياسات الدول الأخرى، فقط ما تقدمه لهم وسائل الإعلام الرسمية الحكومية، لذا هم بلا ثقافة إلا ثقافة طاعة الحاكم وتقديسه إلى درجة الربوبية والعبادة، وكذلك الحال للتليفونات، غير مسموح لهم بالتواصل الهاتفى مع أى مخلوق خارج الحدود، فقط اتصالات داخلية وتحت المراقبة، ومن يضبط يتلقى مكالمة خارجية أو يجريها، يعدم فورا وبلا محاكمة، وللحديث بقية.

[email protected]