رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نور

لن أنسى أبدًا عم ظريف!!
كلما أمر بمحنة أو اختبار مبادئ، أتذكر عم ظريف، الوفدى الكبير انتماءً، البسيط حياةً، الغنى فكرًا.. فتذكره بالنسبة لى ماءً يطفئ شعلة النيران التى تمسك بجلبابك كلما اختلط الحابل بالنابل، وذكراه هى التى تخفف لهيبُ الجمر الذى يحرق أصابعك وأنت ممسك بكرة اللهب دون أن تتنازل عما تعلمته، فالممسك بمبادئه فى هذا الزمن كمن يمسك كرة من لهب فى عالم لا يسمع فيه أحد من يتكلمون هذه اللغة.. المبادئ والتراث والثوابت!!
بعد انضمامى لحزب الوفد بعام واحد، تعلمت مرادف الولاء الكامل للفكرة، وأدركت لأول مرة معنى الغيرة على الكيان، فكان الدرس الذى تلقيته فى عام 1989 على يد وفدى قديم اسمه «عم ظريف» كان قد تجاوز حينها الثمانين من عمره، عاصر مصطفى النحاس فى عنفوانه وقوته وسيطرته على قلوب المصريين، فكان النحاس عند عم ظريف هو الزعيم، ولا زعيم غيره… عم ظريف بطل حكايتنا- رحمة الله عليه- هو وفدى من محافظة القاهرة، وكان الوفديون العائدون للحياة السياسية عام 1984 يعرفونه عز المعرفة، فقد كان شابًا وفديًا مناضلًا فى الثلاثينيات والأربعينيات، وظل وفديًا مناضلًا حتى تم حل الأحزاب فى مطلع الخمسينيات، وبقى وفديًا مخلصًا خلال الستينيات والسبعينيات وعاد للوفد عضوًا لا تلين له عزيمة فى 1984، وظل يتحدث مع الشباب الصغير المنضم حديثًا للوفد مثلنا، عن مصطفى النحاس وزعامته، وكنا نُطلق لقب «عاشق النحاس» على عم ظريف، مثلما أُطلق على إبراهيم باشا فرج لقب «ابن النحاس»!!
ولكن ما هو الدرس الذى حصلت عليه من عم ظريف.. كان الدرس يوم 23 أغسطس 1989، وكان حزب الوفد يحتفل فى مقره القديم بالمنيرة فى حى السيدة زينب بذكرى الزعيمين سعد زغلول ومصطفى النحاس، ويبدو أن الاحتفال لم يتم الإعداد له جيدًا لسفر فؤاد باشا سراج الدين، فلم يكن بالشكل اللائق بالذكرى، ولا يتناسب مع حجم الوفد، فى وقت كان زخم العودة ما زال قائمًا، وكان توافد الجماهير على مقر الوفد فى هذه الفترة لا ينقطع يوميًا بأعداد كبيرة، ولكن فى هذا اليوم غابت الجماهير.. ورغم أننا كنا ننتظر بداية الاحتفال بالذكرى، فوجئت بعم ظريف يترك المقر غاضبًا، ويتجه إلى الشارع، وذهبت وراءه مسرعًا مع عدد من شباب الوفد، لنستفسر منه عن سبب غضبه، ولحقنا به عند آخر سور مقر الحزب، بالقرب من المركز الثقافى الفرنسى، فقال لنا «أنا زعلان.. مش هأقدر أقعد تانى.. معقول ده الاحتفال بذكرى سعد والنحاس.. النحاس اللى كان بينتظره الملايين فى كل مكان يروح فيه.. يحتفل بذكراه عشرة أشخاص.. لأ.. لأ.. مش هأقدر أستنى» وبكى الرجل بكاءً مريرًا.. وحاول تغطية وجهه بحقيبة قماشية كان يحملها باستمرار وكان داخلها صور النحاس وكتب وفدية صغيرة.. حتى لا يرى الشباب الصغير دموعه.. ولكن الحقيبة لم تنجح فى التغطية.. فرأينا الدموع.. وشعرنا بالوجع فكان الدرس الذى لا يُنسى عن معنى الغيرة التى لا تضر حبًا فى كيان كبير اسمه الوفد.. ولاحظ أن عم ظريف كتم الغضب فى نفسه.. ولكنه عبر عن رأيه دون تجاوز.. وبالمناسبة عم ظريف لم يعش بعدها كثيرًا ولكنه توفى بعد هذه الواقعة بعدة أشهر.. وكانت وصيته لأولاده بأن يتم تسليم إدارة الحزب محتويات مكتبته الضخمة الخاصة التى تحتوى على مئات الكتب، والصحف النادرة، والتى تتضمن وقائع مهمة عن تاريخ الوفد، وقد تسلم الحزب بالفعل هذه المكتبة، وقرأنا كتبًا نادرة وعرفنا تفاصيل تم نشرها عن الوفد فى الصحف خلال الفترة من 1919 وحتى 1952، بفضل هذه الوصية، وقد كانت هذه الكتب والصحف ممهورة بختم يحمل اسم عم ظريف رحمة الله عليه!!