رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

وقَفَ سيدُنا موسى عليه السلام خطيبًا فوعَظَ الناسَ،  وسألَه رجلٌ: يا رسولَ الله هل فى الأرضِ أحدٌ أعلمُ منك؟ فأجابه سيدنا موسى بحسَب عِلْمه: لا. وهل فى البشَرِ أحَدٌ يفوقُ النِّبيينَ علمًا ومعرفةً بالله؟! وكيف بكَلِيمِ الله عزَّ وجلَّ؟! وهل يُقاسُ بالعلمِ المعصومِ شيءٌ من معارف البشر؟! وهل سيجدُ هذا السائلُ مَن هو أعلمُ مِن نبيِّ زَمَنِه فيتبعه؟! 

نعم هذا صحيح، ولكنِ العلمُ يَمٌّ لا ساحلَ له، وفضلُ اللهِ وعطاءاتُهُ ليست قاصرةً على أحدٍ دونَ أحد، وقد يتفضلُ الله على بعض خلقِهِ بعطاءٍ لا يُعطيه مَن هو أفضل منه، وهذا كلُّه يقتضى أنْ يَردَّ الإنسانُ العلمَ للهِ، وردُّ العلم إلى الله تعالى -فوقَ ما فيه مِن أدبٍ معَ الله، وتذكيرٍ للإنسانِ بعجزِه وحاجته الدائمة إلى ربِّه عزَّ وجلَّ- فإنه أيضًا يُبيّنُ للبشَرِ أنَّ للعلمِ آفاقًا رحبةً فوقَ ما يُدركون، وأنّ عليهم أن يظلُّوا فى سبيل طلب العلم ما بقيت فيهم حياة.

أَعْلَمَ اللهُ نبيَّهُ موسى بعبدٍ صالحٍ اختصَّه الله بشيءٍ من العلم لا يَعلمُه نبيُّه الكليمُ، فخرج كليمُ الله للقائه، ولما وصل إليه {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}؟ وهذه العبارة تُبين الأدبَ فى صُحبة الأستاذِ لتلقى العِلْم منه، وغيابُ هذا المعنى عن العَمَلية التعليمية يؤدى إلى إفشالها؛ لأنه يقضى على ركائز كبرى من ركائز العملية التعليمية، وهى البيئة العلمية التى قوامُها الخُلُق الحميد والاحترام المتبادل.

والأدبُ مع الأستاذِ أمرٌ يَغرسُ حقيقتَه الآباءُ فى نفوس أبنائهم. ونجدُ المعلّمَ هنا وضعَ قاعدةَ التَّعَلِّمِ من الصَّبر، ولم يضعْ جزاءً أو عقابًا، وإنَّما الذى وضعَ الجزاءَ هو المتعلِّمُ حياءً منه {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّى عُذْرًا}، والمعلِّمُ تَحَلَّى بالصبر والأناة، والتمس العذرَ لنبى الله {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}.

ولهذا يُوصَى المتعلّمون بالأدبَ مع مُعلميهِم، ويُوصَى المعلّمون بأن يكونوا أهلًا لهذه المهمة الجليلة علميًّا ومهنيًّا وسلوكيًّا؛ لأنهم بها ورثةٌ للأنبياء.

يسأل سيدُنا موسى عليه السلام العبدَ الصالح أن يصحبَه للتعلُّم فيقول له: يا موسى إنَّك على عِلمٍ من عِلْمِ الله علَّمَكَهُ اللهُ لا أعلمُهُ، وأنا على علمٍ من علْم الله علمنِيهِ اللهُ لا تعلمُه. نعم إنَّ فضْلَ الله يعمُّ الجميع، والعلم أرحبُ من أن يُحيطَ به أحد، ولذا كان لا بدَّ من التكامل بين البشر لتستقيمَ مسيرتهم فى هذه الحياة صحيحةً. والتكامل بينهم يَرْمزُ إلى عجز كلٍّ منهم عن أن يحيطَ بكلِّ العلوم التى أُتيحت للبشر، والتى هى فى مجملها لا تقاسُ بما يجهلونه من علوم.

وكان هذا المعنى من أوائل ما ألقاه العبدُ الصالح على كليمِ الله إذ ركبا السفينة ووقفَ «عُصفور على حرفِ السفينة فغمس مِنقاره فى البحر، فقال الخضر لموسى: ما عِلْمُك وعِلْمى وعِلْم الخلائق فى عِلْم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفورُ منقارَه» (متفق عليه).

ثم يجد موسى من العبدالصالح أمورًا لا يصبر عليها؛ إنه يخرق سفينةَ قومٍ حملوهم دون مقابل، ويقتلُ غلامًا دون أن يكون قاتلًا مستحقًّا للقتل، ويبنى جدارًا فى قرية لم يحسنْ أهلُها استقبالهما.

أمورٌ ظاهرُها غريبٌ مُسْتَنْكَرٌ، لا يصبرُ عليها أحدٌ، ولكن تَحقُّق الصلاحِ والعلمِ فى فاعِلِها أمرانِ كافيانِ لأَنْ يَعلمَ أيُّ مُستَنْكِرٍ لها أنَّها أفعالٌ حكيمةٌ رشيدةٌ فى بواعثِهَا ووسائِلِها وغاياتِهَا.

ويُؤخذُ من هذه القصةِ أيضًا أنَّ مَن هيَّأَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ لقضاءِ مصالحِ عبادِهِ وتَسييرها لا بدَّ مِن أنْ يتميَّزَ بعلمٍ دقيقٍ وخبرةٍ وإدراكٍ لشئونِهم، مع صلاحٍ وخُلُق، ولا يَنبغى لأحدٍ أن يَتقَحَّمَ فى الشَّأنِ العامِّ إِلَّا إذا كان مُؤهَّلًا بهذه الأمور، بجانب ما يتطلبه الواقعُ من وسائلَ عرضٍ متنوعة تناسبُ الفئات المستهدفة. {وَمَا  أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}