رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

بِناءُ المجتمع يبدأُ من بناءِ اللَّبِنة الأُولى وهى الفرد، وقد تضمنت آياتُ القرآنِ الكريمِ منهجًا كاملًا للتربيةِ وبناءِ النفس، تمثَّل بعضه فى وصايا لقمانَ، {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان: 13).

بدأَ لقمانُ فى موعظة ابنه بندائِهِ بـ {يَا بُنَيَّ} لا طَلَبًا لحضورِهِ، فهو حاضرٌ أمامَه، وإنَّما طلب لحضورِ ذهنِه، وهى كلمة تُشعرُه بشفقَتِه عليه وحُبِّه إيَّاه تهيئةً لنفسه لِتمتثلَ لنصحهِ، وهذا ملمح تربويٌّ هامٌّ، إنَّ النصحَ يحتاجُ إلى ذهنٍ يَقِظٍ ونفسٍ صافيةٍ حتى يكون مقبولًا ذا أثرٍ محمود، وهذه التهيئة يصنعُها الآباء دون تعنيفٍ أو قهرٍ، وإنَّما بإيقاظ العقل واستمالة النفس.

وقد بدأ لقمانُ فى القضية الكبرى -قضية الإيمان- بكلامٍ صريحٍ مباشرٍ فقال: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} ثم علَّل هذا بقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وأيُّ نفسٍ سويَّةٍ تَرضَى الظلمَ أو تراه حسنًا؟! أليس وضعًا للشيءِ فى غير موضعه؟! أليس فيه تسويةُ بعض المخلوقات بالخالق؟! أليس فيه إذلالٌ للنفسِ بجعلها أخسَّ مرتبةً من جماد تسجُدُ له مِن دون الله؟! وأيُّ ظُلمٍ بعدَ ظُلمِ الإنسانِ نفسَهُ؟ 

أول ما يُبدأ به إيقاظ العقل وإصلاح الفكر بمعرفة خالق الكون سبحانه وإدراك وَحدانيته، ثم معرفة ما يجب له من صفات العلم والقدرة {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّمَاوَاتِ أَوْ فِى الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} إنَّ أدقَّ الأشياءِ لا يَخْفَى على اللهِ ولو أُخفيَ فى صخرةٍ صلبةٍ لا يَنفذُ فيها شيء، أو كان فى أقصى مكانٍ وأَبعدِه عن الوصولِ إليه، أو كان فى مكانٍ واسعٍ غيرِ محدودٍ، لا يَجرى فى الملكِ والملكوتِ شيءٌ، ولا تتحركُ ذَرَّةٌ ولا تسكنُ إلَّا وعندَه خبرُها، فهل تخفى عليه أفعالُ عبادِه؟!

إنَّ هذا تربيةٌ وترقيةٌ روحيةٌ ليكونَ الولدُ من المحسنينَ؛ إذ الإحسانُ «أنْ تعبدَ الله كأنَّك تراه، فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنه يراك» (رواه مسلم) وإذا نشأَ الولَدُ محسنًا مُراقبًا لله تعالى لن يُوجَدَ فى المجتمع أى فساد. 

والتربيةُ الصحيحةُ تهتمُّ بالعملِ كما تهتمُّ بالعقيدة، قال لقمان:  {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} فأمرَه أن يبدأَ بنفسه فى الخيرِ فيقيمَ الصلاة، وإقامةُ الصلاةِ تقتضى إتيانَ الخير والانتهاءَ عنِ الشرِّ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45). 

وكم من شخصٍ صالحٍ لكنه غير نافعٍ للمجتمع لسلبيةٍ نشَأَ عليها، والمسلمُ شخصٌ فعَّالٌ إيجابيٌّ فى مجتمعِه يأمرُ بالمعروف (كلِّ ما يُرضى اللهَ تعالى وينفعُ المخلوقات) وينهى عن المنكر (كلِّ ما يُغضبُ الله تعالى ويضرُّ بالمخلوقات)، ويصبر على ما ينالُه مِن أذى أو يَنزلُ به من مكروه.

والتربيةُ الصحيحةُ تَقتضى أن يحفظَ الوالدُ ولَدَهُ من آفاتِ النفسِ كما يحفظُه من آفات البدن، ويُيَسّرُ هذا ما للولدِ من عقيدةٍ سليمةٍ وعملٍ صالحٍ نافعٍ، وأشدُّ هذه الآفات آفةُ الكِبْر التى قد تتسلّل للبعضِ حين يرَى لنفسه فضلًا وعملًا ليس لغيره، و«رُبَّ معصيةٍ أورثَتْ ذُلًّا وانْكسارًا خيرٌ مِن طاعةٍ أورثَتْ عِزًّا واسْتكبارًا»، والكِبْر يُودِى بصاحبه، وهل هوى بإبليس إلى مهاوى اللعنة غيرُه؟ كما أنه يُودِى بالمجتمع كلِّه حينَ يرى المتكبر أنه أحقُّ بفرص الحياة وخَيرِها من غيره، فينعدم العدل، ولا تتكافأ الفرص، ولا توضع الأمور فى نصابِها. 

والتربيةُ المستقيمةُ تُخرج شخصًا معتدلًا فى كل أموره {وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (لقمان: 19) ليس الضجيجُ من شأن العقلاء، إنَّ الأدبَ والثقةَ فى النفس وصدق الحديث واحترام السامع، كل هذا يحمل صاحبَه على غضّ الصوت، وكم خفيتْ معالمُ الحقِّ والهدى وسطَ عجاجِ الضجيج!