رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نتعلم من:

القرآنُ الكريمُ رسالةُ اللهِ الخاتمةُ لكلِّ البشر، الصالحةُ للهداية فى كل زمان ومكان، فمعانيها باقيةُ الأثرِ، ومما اشتمل عليه القرآنُ الكريمُ قَصصُ بعضِ الأنبياء والرُّسلِ الذين تضمَّن مجموعُ قصصِهم الجوانبَ المختلفةَ التى تحتاجُها البشريَّةُ لإصلاحِ مسيرتِها فى شتَّى مناحى الحياة.

وقَصصُ النبيينَ يحتاجُ إلى نظرٍ وتأملٍ لإفادةِ المناهجِ التطبيقية العَمَليَّة وبرامجِ العملِ التى طبَّقها المعصومون من خلق الله، وهى مناهجٌ معصومةٌ بنور الوحى الإلهي، فهى مضمونةُ الأثرِ والنتيجةِ.

ومن هذا القصص العظيم ما جاء عن أبى الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام (والملقب بخليل الله)، ذلك النبى الذى واجَهَ خلال حياته صنوفًا من الحَيْدَة عن سبيل الحق.

وحاول خليلُ اللهِ فى كل هذا أن يحرك العقول؛ لتفيق من غفلتها، وقد تَدَّرج فى هذا بصورةٍ تُؤهّل النفوسَ لقَبول الحقِّ، ولا يبقى معها حجةٌ لمحتجٍّ.

رأى إبراهيم عليه السلام مَن يعبدون الكواكبَ؛ فتَدَّرج فى دعوتهم، جَنَّ عليه الليلُ (أي: أَظْلَمَ) فرأى كوكبًا مما يعبدون وهو بين جماعةٍ منهم فقال: هذا ربَّي. مجاراةً لهم فيما يدَّعون؛ حتى يُبيّنَ لهم بطلانَ زعمِهِم، فلما غابَ هذا الكوكبُ قال: لا أحبُّ الآفلين (أي: لا أَقْبَلُ عبادةَ الآلهةِ الزائلين المتغيرين)؛ إذْ كيف يكون إلهًا مَن يغيبُ وشأنُ الإلهِ ألَّا يغيبَ عن خَلقِهِ؟! وكيف يغيبُ وهو مُدّبرُ شئونِهِم؟! إنّهُ سبيلٌ حكيمٌ فى الإقناع، لو واجَههم بهذا من أوّل الأمرِ لأعرضوا، وصدَّهم إعراضُهم هذا عن الإصغاءِ لبرهانِ صِدقِه.

ثم بعد أن صرّح أمامَهم بأنه لا يميلُ إلى عبادةِ مَن يتغيرُ مِن حالٍ إلى حال، ومَن يغيب أحيانًا، استمرَّ بنفسِ الأسلوب حتى يتمكنَ منْ الِانتقال نقلةً أخرى فى إيقاظِهم، فقال حينَ رأى القمرَ مُبتدِئًا فى الطلوع: هذا ربّي، فلما أفَلَ وغابَ {قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} (الأنعام:77)، عَرَّض هنا بضلالِ عابدى الكواكب، ولا يَسَعُهم إزاءَ هذا التدرّج أن ينكروا عليه مثلَ هذا.

ثم جاء دورُ النُّقْلةِ الثالثة حين رأى الشمس فقال: هذا الكوكبُ أَوْلَى بأن يكونَ ربّى لأنه أكبرُ، فلما غابتْ واحتجبَ ضوؤها، جاهرهم بالنتيجة التى لا يجدون فى أنفسهم ما يدفعُها إلا المكابرة عن قَبول الحق، فقال: {يَا قَوْمِ إِنِّى بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام: 78، 79).

إنه منهجٌ تطبيقيٌّ للإقناعِ أَوْلَى بالدُّعاةِ والعلماءِ والآباءِ والتربويين أن يتخذوه سبيلًا، إنَّ مواجهةَ النفوسِ بتسفيهِ ما أَلِفَتْه -وإنْ كان فى نفسِهِ سفيهًا- لا تَجْنىِ إلا المكابرةَ عن قَبولِ الحقِّ وربّما التعدى على الداعى إليه.

إنه منهجٌ سديدُ النظرِ إلى الواقع وإدراك حقيقته، ثم الانطلاق بعد ذلك فى التفكير الذى بُنِيَ على هذا النظر الدقيق، ثم التخطيط والبناء الموافق للواقع، أمَّا سوى هذا فهو تنظيرٌ بعيدٌ عن الواقع ينهدمُ أمامَ حقائق الحياة.

ثم إنّ هذا المنهجَ يُؤدّيَ إلى الاقتناع العقليّ، وهو ما يؤدى إلى الاتّساق النفسي، وهذه أسس بناء الشخصية السّوية عقليًّا ونفسيًّا.

وهو بعد ذلك منهجٌ سديدٌ يُبيّنُ أنّ الحِجاجَ والجدالَ والبحثَ والنظرَ ينبغى أن يكون على أسسٍ ثابتةٍ من المعرفة والإدراك الواعي، وإذا لم يتأهلْ المرء لهذا بنفسه فعليه أن يعود لأهل الذكر، وهم العلماء المختصون كُلٌّ فى مجاله، وبغير هذا يكون الجدالُ مكابرةً وتغبيشًا على الحق.

ومن هذا الباب السَّيئِ جادَلَه قومُه فيما قالَه لهم، وخوّفوه بطشَ آلهتهم، فقال أتجادلوننى فى الله وقد هدانى إلى الصراطِ المستقيمِ؟! وكيف أخشى مِن شيء لا يملك نفعًا ولا ضرًّا؟! فإذا نزل بى ضرٌّ أو مكروهٌ فهو بمشيئة الله وحدَهُ، لا مما تعبدون من دونه،{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّى فِى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّى شَيْئًا وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ}(الأنعام: 80)

إنها كلمةٌ إيمانيةٌ تُثبّتُ النفوسَ على أصل الإيمان، وتصدُّ الدعاوَى الكاذبةَ التى قد يستغلُّها المغرضون، وهو منهجٌ سديدٌ فى التعامل مع المتربصين من أعداء يستغلون كلَّ واقعة للتشويه والتمويه، استباقٌ يُؤهّلُ النفوسَ ويجعلها فى وقايةٍ من شبهاتِ أربابِ السوء.

-

رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس الشيوخ

ونائب رئيس جامعة الأزهر السابق