رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

يوم السابعَ عشَرَ من شهرِ رمضانَ يذكرُنا بيومٍ عظيمٍ من أيَّام الإسلامِ، هوَ يومُ غزوةِ بدرٍ الكبرَى، ذلك اليومُ الّذى سمَّاهُ الله سبحانه وتعالى بـ{يَوْمَ الْفُرْقَانِ} {الأنفال: 41} لأنه يومٌ فرق الله فيه بين الحقّ والباطل، إنه اليوم الذى نصر الله فيه المسلمين رغمَ قلةِ العَدَد والعُدَد؛ وذلك لأنه تحقق فيهم صدقُ التوكل الموجِب لتنزّلِ المددِ الإلهيّ، فقد جمعوا بين اتخاذِ الأسبابِ الممكنة، والالتجاء الصادق إلى الله تعالى، {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} {الأنفال: 9}، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} {آل عمران: 123–127}، والمرادُ بوصف المسلمين بالذِّلَّة فى الآية الكريمة بيان قلَّةِ عَدَدِهم، وقد نصرَهُم الله رغم قلة عددهم وزيادة عدد المشركين الذين كانوا ثلاثة أمثالهم، و{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} {البقرة: 249}.

إنَّ يوم بدرٍ يُؤصّل للمعنى الإسلاميِّ الجامعِ العميقِ الذى تُلخصُه كلمة «لا حول ولا قوة إلا بالله» فالمسلمُ عليه تحصيلُ الأسبابِ الممكنةِ مع اليقينِ بأنّ النفعَ والضرَّ بيدِ الله وحدَه، فلا بدَّ مِن الاستعانةِ به سبحانه وصدق اللجوء إليه، ولهذا قال الله سبحانه فى شأن هذا النصر: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} {الأنفال: 17}.

وهذه حقيقة التوكل الذى أمَرَ الله به نبيَّه صلى الله عليه وسلم فى غير موضعٍ من كتابه الكريم، فقال سبحانه: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} {آل عمران: 159}، وقال عزَّ وجلَّ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِى لَا يَمُوتُ} {الفرقان: 58}، وأمر به أتباعه من المؤمنين أيضًا فقال سبحانه: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} {آل عمران: 122}، وبيّن سبحانه أنه يكفى من توكل عليه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} {الطلاق: 3}.

وأخذُ الأسباب الدنيوية المستطاعة جزءٌ لا يتجزَّأ من هذا التوكل، وقد جاء رجلٌ على ناقةٍ فقال: يا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَدَعُها (أي: دون حبلٍ أقيدُها به) وأتوكّلُ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقِلْها وتوكلْ»؛ أي: ضُمّ رِجْلَها بعقال (حبل) فتبقى الناقة باركةً، فبيّن صلى الله عليه وسلم أن الاحتراز وأخذ الأسباب لا ينافى التوكلَ، وقد أكدّ هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لو أنَّكم تتوكلون على الله حقَّ توكلِهِ لرزقَكُم كما يرزق الطيرَ، تغدُو خِماصًا وتَروحُ بِطانًا». {رواه: الترمذى وحسنه}، و(تغدو) أي: تذهب أول النهار، و(خماصًا): أى ضامرة البطون من الجوع، و(تروح) أي: ترجع آخر النهار. و(بطانًا) أي: ممتلئة البطون، فبين بهذا الحديث أن توكل الطير لم يمنعها من الغدو والرواح، وأن السعى على الرزق لا يعارض معنى التوكل بل هو منه.

وهذا المعنى الإسلامى نراه مغروسًا غرسًا فى قلوب العوامّ الذين ليس لهم كبيرُ حظٍّ من العلم، ومن كلماتهم المأثورة التى تبينُ هذا قولُهم: «العبد فى التفكير والربّ فى التدبير» والمراد بالتدبير هنا ما وراءَ قُدرةِ المرءِ ووُسعِه وطاقته، ويقولون: «اسعَ يا عبد وأنا أسعى معك»، وهذه الكلمات تبين ما على المرء مِن تحصيلِ الأسباب الدنيوية المختلفة قدرَ الوُسع والطاقة، وأنَّ ما وراءَ ذلك موكولٌ إلى اللهِ وحده.

والمسلم -خصوصًا فى هذه الآونة- يحتاج إلى إحياء هذا المبدأ العظيم، فيحصل الأسباب المادية والمعنوية، والدينية والدنيوية فى كل منحى من مناحى الحياة، حتى يستطيع تحقيق الحياة الكريمة.

وليس هذا كل ما يخرج به المسلم من دروسِ يوم بدر، بل ثَمَّ معانٍ وعظاتٌ ودروسٌ أخرى أخرى عظيمة لا يتسع المقام لتفصيل الحديث عنها، منها «الشورى» التى هى مبدأ إسلامى أمَرَهُ الله به: {وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ} {آل عمران: 159}، ووصف بتحقيقه المؤمنين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} {الشورى: 38}، وقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تطبيقه وإحيائه بين المسلمين، وهذا المبدأ لو حرص المسلمون على غرسه فى نفوس النشء لربَّى فيهم الشعورَ بالمسئولية، وسعةَ الأفق، ودقةَ النظر، والتفكيرَ الجماعيّ، واحترامَ وُجهات النظر المختلفة، والعملَ بروح الفريق، والانصياعَ لرأى المجموع؛ لأنه ليس نتيجة تفكير عقل واحد أو وجهة نظر واحدة، وإنما هو نتاج عقول وأنظار مختلفة ومتنوعة.

--

رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ

نائب رئيس جامعة الأزهر السابق