رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

فى ختام الثلث الأول من شهر رمضان المبارك تمر بنا ذكرى انتصار العاشر من رمضان المجيد، ذكرى الدفاع والتضحية والنصر والشرف والكرامة، فقد تمثل فى انتصار العاشر من رمضان أسمى معانى الجهاد الحقيقى فى دفاعه وذوده عن النفس والدين والعرض والعقل والأرض «بما تشمله من ملكياتٍ عامة وخاصة»، تلك المقاصد الخمسة العظمى التى تمثل فى مجموعها الوطن، والتى جاء الشرع الشريف للحفاظ عليها ومراعاتها، ومن هنا تحتم علينا الاحتفاء بهذه الذكرى العطرة، وأن نورث أبناءنا الاحتفاء بها لما فيها من معانٍ دينيةٍ وإنسانيةٍ ساميةٍ تحرص عليها كرام النفوس.

تجسد فى جنودنا معنى «التوكل» فى سموه، فأخذوا بالأسباب وجمعوا بين التخطيط والتدريب والعمل المتقن والإيمان بنصر الله، فعلت صيحة (الله أكبر) من أفواههم تزلزل الأرض تحت أقدام العدو العاتى وتمهدها أمام أبطالنا، فشاهد العدو جنوداً لا تريد إلا إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة.

ولم يقدم أولئك الجنود أرواحهم لمكسبٍ شخصى، وإنما حفظوا بدفاعهم وتضحياتهم أرواح أبناء وطنهم، ومكنوهم من أن يقيموا شعائر دينهم بأمنٍ دون أن يحول بينهم وبينها عدو مغتصب، وحفظوا عليهم أموالهم وديارهم وأرضهم بكل مرافقها، وحفظوا أعراضهم دون أن ينتهك حرمتها عدو عاتٍ، وعقولهم فلم تتلوث بترهات محتلٍ يعمل على محو الهوية والعلم والحق حتى يجد سبيلاً لبقائه.

ليس من الخير إذن ترك الاحتفاء بهذه المعانى العظيمة، كما أنه ليس من الخير أيضاً الاحتفاء السطحى الذى يموت أثره بمرور زمنٍ يسير.

إدراك هذه المعانى يؤثر فى النفوس، فيرقى بالنفس الأمارة بالسوء التى قال الله تعالى فيها: {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} «يوسف: 53»، إلى نفسٍ أرقى تلوم صاحبها على ما وقع فيه من تقصيرٍ، وهى النفس التى ذكرها الله تعالى فى قوله: {لا أقسم بيوم القيامة (1) ولا أقسم بالنفس اللوامة} «القيامة: 1، 2»، فإذا لامت صاحبها أعدته إلى الرقى فى سلم المدارج الإنسانية الراقية الرفيعة، فترقى نفسه شيئاً فشيئاً حتى تصير نفساً مطمئنةً راضيةً مرضيةً {ياأيتها النفس المطمئنة (27) ارجعى إلى ربك راضيةً مرضيةً (28) فادخلى فى عبادى (29) وادخلى جنتي} «الفجر: 27- 30».

ورقى النفس وكمالها هو الركيزة الأولى فى الحفاظ على الأوطان، وقد قال الله سبحانه وتعالى فى شأن جهاد الأعداء المتربصين: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} «الأنفال: 60»، ومفهوم القوة هنا يتسع ليشمل كل ما من شأنه بناء مجتمعٍ قوى له قوة رادعة تحول دون حوم الأطماع فيه. ويقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفى كلٍ خير» «رواه مسلم»، ولفظ «القوى» فى الحديث يشير إلى القوة الإيمانية والقوة المادية كذلك، التى تتطلب الحفاظ على الصحة العامة والشباب، ودرء كل ما من شأنه أن يضر النفس أو يضيرها، وأن تصقل المهارات والقدرات حتى يكون الفرد منتجاً كافياً لنفسه فى حاجاته ومتطلبات زمانه، وليس عالةً على غيره.

كما يتطلب رقى النفس وكمالها الحفاظ على الدين وشعائره، لأنه مصدر القوة النفسية التى بها يبذل المرء روحه فى سبيل الله ذوداً عن وطنه غير ناكصٍ ولا هيابٍ، والحفاظ على الدين وشعائره يتطلب بدوره فهم الدين فهماً صحيحاً غير محرفٍ لا يقود إلى تطرفٍ أو إرهابٍ أو تأزمٍ أو تقوقعٍ.

ولا تتحقق القوة إلا بالحفاظ على المال وما يشمله هذا من حفاظٍ على الملكيات العامة، ومرافق الدولة، والملكيات الخاصة، فلا يوجد إهدار للمال العام ولا تعدٍ عليه ولا على المال الخاص، ولا إسراف، ولا تبذير.

كما أنه لا بد من الحفاظ على بقاء النفس، وهذا يستلزم الحفاظ على النسل ليس بالكثرة ولكن بالقوة التى تعينه على عبادة الله الواحد، والبناء والتعمير وصناعة الحضارة، والحفاظ على العرض وكرامة الإنسان فلا يوجد انتهاك للحرمات، ولا تقحم فى الخصوصيات، ولا تحرش أو تنمر.

والحفاظ أيضاً على العقل، لأنه مناط التكليف، ولا يقتصر هذا على تجنب ما يغيّب العقل أو يعكر صفوه، بل هناك جانب إيجابى يتمثل فى تحصيل العلوم والمعارف النافعة فى كل مجالٍ تحتاج له الإنسانية ويتطلبه الزمن.

تحقيق هذه الأمور غاية دينية، وهدف وطنى، ثم هو وفاء لمن حققوا هذا النصر بالمضى فى السبيل الذى مهدوه.

تحية تقديرٍ واحترامٍ وعرفانٍ لأبطال انتصار العاشر من رمضان، كل عامٍ ومصر بخيرٍ شعباً وقيادةً سياسية حكيمة وحكومةً.

 

-

رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس الشيوخ

نائب رئيس جامعة الأزهر السابق