رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

 

قال الله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} {الزمر: 53} آيةٌ عظيمةٌ قال فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما أُحبّ أنَّ ليَ الدنيا وما فيها بهذهِ الآيةِ» {رواه: أحمد}، فقد فتحتْ بابَ الرجاءِ واسعًا لكلِّ مذنب مَهْما كانت ذنوبُه ومهما بلغتْ، ورحمةُ اللهِ وَسِعَتْ كُلَّ شيءٍ، فإذا كثُرت ذنوبُ العبدِ وخطاياه وأسرفَ على نفسِه فى المعاصي، ثم تابَ، فإنّ اللهَ تعالى يتوبُ عليه، ويغفرُ ذنوبَه جميعًا. ورسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم يقولُ: «إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يبسُطُ يدَهُ بالليل ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويبسطُ يدهُ بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل، حتى تطلعَ الشمسُ من مغربِها» {رواه: مسلم}.

والنفس البشرية ضعيفة، فإذا أذنب العبد، فعليه أن يسرعَ بالتوبة والاستغفار، فإن اللهَ غفورٌ رحيم. يقول اللهُ تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}{النساء:110}، ويقول تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ}{البقرة:222}

والتوبة فى الإسلام فرضٌ واجب على كل مسلمٍ، يقول القرطبيُّ فى تفسير قوله سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} {النور: 31}: أمرٌ، ولا خلافَ بين الأُمّةِ فى وُجوبِ التوبةِ وأنَّها فرضٌ مُتعيّنٌ.

اللهٌ تعالى توابٌ رحيمٌ، يدعو المذنبين إلى التوبة؛ ليغفرَ لهم، يقول تعالى: {...كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأِنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} {الأنعام:54}

ومن أواخرِ ما نزَلَ مِن سُوَر القرآنِ الكريمِ سورةُ النَّصر، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} {النصر:1- 3}، وتُسمَّى أيضًا سورةَ التَّودِيع، وقد فَهِم منها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قُربَ أجَله، حتى إنَّه صلى الله عليه وسلم دعا ابنتَه السيدةَ فاطمةَ وقال: «قد نُعِيَتْ إليَّ نفسي» (أي: أخُبر بقرب انتقاله للرفيق الأعلى). فبَكَتْ، ثمَّ ضَحكتْ، وقالتْ: أخبرنى بأنَّه نُعيَت إليه نفسُه فبكَيْتُ، ثمَّ قال: «اصبري؛ فإنَّك أولُ أهلى لحاقًا بي» فضحكْتُ. {رواه: البيهقي}، وفى هذه السورةِ أُمر صلى الله عليه وسلم بالاستغفارِ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} ختامًا لهذه الحياة العظيمةِ التى لم تشهدْ ولن تشهدَ البشريّةُ مثلَهَا، حتى إنَّه صلى الله عليه وسلم مَا صلَّى صلاةً بعدَ نزولِها إلا قالَ فيها: «سُبحانَك ربَّنا وبِحمْدِكَ، اللهمَّ اغفِرْ لي» {متفق عليه}، مما يدلُّ على عِظَم قدر الاستغفار، وأنه عبادةٌ فى ذاته.

وتتأكد التوبة هذا الشهر الكريم، ففيه تُفتح أبوابُ الرحمةِ، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا كان رمضانُ فتحتْ أبوابُ الرحمة» {رواه: مسلم}، وقد جعل الله العباداتِ فيه سببًا للمغفرة فقالَ صلى الله عليه وسلم: «مَن صامَ رمضانَ إيمانًا (أي: تصديقًا بأنه حق وطاعة) واحتسابًا (أي: إخلاصًا لله تعالى لا رياء) غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبِهِ» {متفق عليه}.

وللتوبة شروطٌ ثلاثةٌ بيَّنها العلماء إذا كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى، إن فُقدَ أحدُها لم تصحَّ التوبة: أحدها: أن يُقلعَ عن المعصية. والثاني: أن يندمَ على فِعلها. والثالث: أن يعزمَ ألَّا يعودَ إليها أبدًا. وإنْ كانت المعصيةُ تتعلق بحقِّ الآدميِّ فعلى التائبِ أن يردَّ الحقوق عينيةً–كمالٍ أو متاعٍ ونحوهما– كانت أو أدبيةً– كغِيبةٍ أو قذفٍ ونحوهما–لصاحبها إن استطاع على ألاّ يؤدى هذا إلى مفسدةٍ أكبر، فدرءُ المفاسدِ مُقدّمٌ على جلبِ المصالحِ، وفى هذه الحالة يكفى التائبَ الاستغفارُ الكثيرُ والتقرب إلى الله بالصلاة وأعمال الخير، {...وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ...} {هود: 114}.

رئيس لجنة الشئون الدينة والأوقاف بمجلس الشيوخ

نائب رئيس جامعة الأزهر السابق