رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تجلية (10)

 

 

لمسنا من خلالِ مقالاتنا السابقةِ ما للقاهرةِ من خُصوصيّةٍ ثقافيّةٍ تتجلّى فى عطائِها الإنسانيِّ والحضاريِّ عبرَ الزمان، واليومَ مع تجلية ثقافية جديدة من خلال مرور عيد الأم؛ لما للمرأة بوجه عامٍّ وللأم بوجهٍ خاصٍّ من دورٍ عظيم فى الحياة والمجتمع وصناعة الحضارة.

وقد كرمت شريعةُ الإسلام الأمَّ بما لا مزيدَ عليه، وحتى ندرك شيئًا من ذلك فلننظرْ إلى مجيءِ الأمرِ بالإحسانِ للوالدين عقب الأمر بعبادة الله مباشرة، فهما سبب وجود الإنسان وبقائه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} {الإسراء: 23}.

وللأم منزلة خاصّة عند الصفوة من خلق الله؛ إذ هى منبع العطف وحقُّها أعظمُ وأولى بالمراعاة ولهذا ذكّرَ بها هارونُ أخاه موسى عليهما السلام حينما غضِبَ وأخذَ برأسه فقال استعطافًا واسترقاقًا لقلبه: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِنْ بَعْدِى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} {الأعراف: 150}.

وجاء على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم ما يؤكد هذه المنزلة صراحةً حين سأله رجلٌ: يا رسول الله مَن أحقُّ الناسِ بحُسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثُم مَن؟ قال: «ثمّ أمّك» قال: ثم مَن؟ قال: «ثم أمّك» قال: ثم مَن؟ قال: «ثم أبُوك». {متفق عليه}، فذكرها ثلاثًا وفى المقابل ذكر الأبَ مرةً واحدة، وبرّ الأم لا يتوقف على إسلامها، بل المسلم مأمورٌ به وإن لم تكن مسلمة.

ولنا وقفة تأمل مع اليوم الذى اختارَهُ المصريون ليكونَ احتفالًا بعيدِ الأمِّ، فحينما دعا الكاتبُ على أمين لتخصيصِ يومٍ ليكونَ عيدًا قوميًّا للأمِّ تُقدّم لها فيه الهدايا تقديرًا لها، اختار القُرَّاءُ يومَ 21 مارس -وهو بدايةُ فصل الربيع- ليكونَ عيدًا للأمّ؛ ليتماشَى مع فصل العطاء والصفاء والخير.

وارتباط عطاءاتِ الزمن وصفَائِه وخيرِه بالأمِّ تجليةٌ ثقافيّةٌ تستحقُّ النظرَ والتأمّلَ، خصوصًا فى هذه الفترةِ العصيبة التى يَتزامنُ فيها هذا العيدُ مع ما نراهُ من حربٍ بين الأقوياء فى شكلِ الحرب الدائرةِ بين روسيا وأوكرانيا اشتركَ فى معاناةِ آثارِها مُقترِفُ إثمِها والداعى لإخمادِ نيرانها.

وكما يستغلُّ هذا الظرفَ الدوليَّ ذئابُ البشر ينبغى أن يستغلَّه أربابُ النفوسِ الراقيةِ والثقافات الواعية والقلوب الرحيمة؛ ليمدوا يدَ العونِ والمساعدةِ والتكافلِ والمواساةِ، وهو واجبٌ دينيّ أخلاقيّ تحتمهُ الإنسانية الراقيةُ من ناحية.

والقاهرةُ بهذا العيد تعكس رؤيةَ المصريِّ للمرأة، فهو يقدّرها ويربط بينها وبين الربيع، وكأن فى هذا وراثةً نبويةً كريمةً لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق عليه، أنّ اللهَ أرسلَ جبريلَ عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم مبشرًا أم المؤمنين خديجة ببيت فى الجنة من قَصَبٍ (أي: لؤلؤ) لا صَخَبَ (أي: لا ضجيج وضوضاء) فيه ولا نَصَبَ (أي: تعب). وخصوصية ذكر هاتين الصفتين فى الحديث بيان للجزاء الإلهى للمرأة التى يجد زوجها عندها السَّكَنَ والسكينة والراحةَ واللطفَ والمودة، و{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} {الرحمن: 60}.

وقد عاشت المرأةُ المصريةُ هذه المعانى مع زوجها، فتحملت معه شَظَفَ العيش، وشدة الحياة، وقامت بدورها إلى جانبه، فكانت له أمًّا وزوجةً، وكان لها أبًا وزوجًا، وهذه المعانى ينبغى أن نحافظ عليها.

وإحياء الهُوِيَّة والخصوصية هو طوق النجاة من التبعية والانجراف والانحراف، وهو سبيل الحفاظ على أن يكون الجيل القادم مُدركًا لشأنه عارفًا بواجب زمانه، وبدون هذه الهُوِيَّة والخصوصية سيكون هذا الجيل منقادًا ليست له وجهةٌ صحيحة.

--

رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس الشيوخ

ونائب رئيس جامعة الأزهر السابق