رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تجلية (9)

 

 

 

منذ القدم ومصر والقاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية عامرة بالتجار الصدوقين الأمناء، الذين يراعون الله فى تجارتهم وفى كل شيء، ويعبرون عن القدوة الحسنة فى الانتماء الوطنى والوقوف بجانب المحتاجين فى أوقات الشدة.

وقديمًا انتشر الإسلام فى بلاد الهند ووسط آسيا وغيرهما عن طريق التجار العرب بسبب ما كانوا يتمتعون به من قيم وأخلاق وسيرة طيبة وصدق وأمانة ويسر فى البيع والشراء، فكانوا نموذجًا صحيحًا للمسلم، وتأثر الناس بحسن معاملتهم واعتنقوا الإسلام راغبين فيه بسبب تجاره الصدوقين الأمناء.

إن ما يشهده العالم الآن من حرب أوكرانيا، وتَجيُّش العالم بعضه ضدَّ بعض، ليس ضررُه قاصرًا على المحاربين فقط، ولا على حدودهم السياسية، بل تنداح دائرة هذا الأثر الضارّ لتشمل المحارب وغيره، والحيوان، والنبات والجماد، نعم فالكون الذى خلقه الله مسبحًا «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ»(الإسراء:44)، وساجدًا «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِى الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ»(الحج: 18) قد سخره الله لخدمة الإنسان؛ ليؤدى مهمته فى عبادة الله الواحد سبحانه، يقول الله تعالى: «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»(الجاثية: 13)، واستعمال ما فى الكون فى غير ما خُلق من أجله وفيما يَضرّ ولا ينفع إضرارٌ بالكون كله؛ لأنه إخراجٌ له عن حدِّ الصلاح الذى خلقَه اللهُ عليه وأمَرَ به إلى حدِّ الفساد، وأيُّ ضرر فوق هذا؟! وهل بعد حصول الفساد من صلاح؟!

وقد طالنا وغيرنا –على بُعد ما بيننا وبين هذه الحرب– شيءٌ من لفح نيرانها هدَّد الأمن الغذائى والاقتصادى، وكما كان للقيادة السياسية الحكيمة وللمسئولين فى مصرنا الحبيبة دورٌ فى تدارك هذا الأمر فثَمّ دور آخر لا يسعنا أن ننساه لأهل الصدق والأمانة من التجار الذين لم يستغلوا أزمات الناس فيغالوا فى الأثمان أو يحتكروا البضائع. ونتذكر هنا ذلك الجزاء العظيم الذى حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء» {رواه الترمذي}، والصدق والأمانة من صفات النبيين، واشتق اسم الصديقين من الصدق، ولولا هاتان الصفتان ما تشجع الشهيد على بذل روحه فى سبيل الله فداءً لوطنه.

ولا يدرك هذا الفضل أو يصل إليه مَن يعلون شأن مصالحهم الخاصة على حساب المصالح العامة، فيحتكرون البضائع ويغالون فى أثمانها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحتكر إلا خاطئ» {رواه مسلم}، والخاطئ هو العاصى الآثم، وكفى بالمرء إثمًا أن يكون سببًا فى تجويع الناس وإضرارهم، وقد رأى السلف الصالح أنّ هذا غشٌّ للمسلمين فقال الحسن: كفى غشًّا للمسلمين أن يتمنى غلاء سعرهم. {رواه البيهقى فى شعب الإيمان} وقد عدّه بعض العلماء من الكبائر، ولهذا كان للمحتكر جزاء من المجتمع الذى عانى أذاه، وجزاء من الله، أما جزاؤه من المجتمع فقد أجمع علماء المسلمين على أنه إذا خِيف لحوقُ الضرر بالناس من جَرَّاء الاحتكار فإن المحتكر يُجبَر على إخراج ما عنده وبيعه فى السوق بثمن المثل، وأمَّا عند الله فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن دخل فى شيءٍ من أسعار المسلمين ليغليَهُ عليهم، فإنَّ حقًّا على الله أن يُقعدَه بعُظمٍ من النار يوم القيامة» {رواه أحمد}، وهو داخل فى عموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن ضارَّ ضَارَّ اللهُ به، ومَن شاقَّ شقّ اللهُ عليه» {رواه الترمذي}.

وإذا كان للتُّجار دورٌ فى علاج هذا الأمر فعلى المسلم العاديّ ألَّا ينسى دوره هو، فهو مأمور فى كل أحواله فى الشدة والرخاء بترشيد الاستهلاك، وحسن إدارة الإنفاق فيما هو نافع وضرورى، وعدم التبذير والإسراف، قال الله تعالى: «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ»(الإسراء: 27)، وقال سبحانه: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»(الأعراف: 31)، وإلَّا كان الإنسان مضيعًا للأمانة؛ إذ هو مستخلف من الله فيما فى يده من مال، قال الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ»(الحديد: 7) فالمال الذى فى يده ليس بماله على الحقيقة، وإنما هو فيه بمنزلة الوكيل والنائب، فعليه أن يضعه فى حقه ودون تجاوز، وإلا أضرَّ بنفسه من جهة، وأضرَّ بغيره من جهة أخرى؛ لأنه يؤثر سلبًا فى موارد المجتمع بإسرافه وتبذيره، ممَّا يهدد أمنه واستقراره.