رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تجلية «8»

 

 

 

فى صفحة جديدة من صفحات مصر والقاهرة العاصمة الثقافية نقف أمام يوم «الشهيد الحى»، وهو اليوم الذى اختار المصريون له تاريخ استشهاد هو الجنرال الفريق أول محمد عبدالمنعم رياض سنة 1969 رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية فى ذلك الوقت، وهو وسط جنوده البواسل على جبهة قناة السويس أثناء حرب الاستنزاف، ذلك القائد العظيم الذى استشهد وهو يشرف ويتابع بنفسه إعداد وتنفيذ الخطط القتالية، ويطمئن على أبنائه الجنود حتى فى الخطوط الأكثر قربًا من العدو، فتأتى أيام القاهرة لتحيى معانى البطولة والتضحية والفداء للوطن.

والحقيقة هى أنه ما كانت حياتنا الآمنة والمطمئنة والمستقرة التى ننعمُ بها الآن وما كان استمرارها إلا بشرف دماء شهداء مصر الأحياء الأبرار من الجيش والشرطة وغيرهم ممن قدموا أرواحهم فداءً للوطن وأهله، استشهدوا من أجل الحفاظ على الوطن بكل من فيه وما فيه، من أجل الحفاظ على المقاصد الشرعية العليا: النفس «وهى المجتمع الإنسانى»، والعقل «مما قد يصيبه تحت وطأة الاستعمار»، والدين، والمال «الأرض وغيرها من الممتلكات العامة والخاصة»، والعرض «النسل وكرامة الإنسان».

لذا كان للشهداء منزلة عليا عند الله تعالى، حتى إن الله سبحانه نهى أن يُظنّ فيهم أو يُقالَ عنهم: إنهم أموات؛ لأنهم -رغم تضحيتهم بأرواحهم- أحياء حياة خاصّة لا ندركها، يقول الله تعالى: «وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ» «البقرة: 154» ويقول سبحانه وتعالى: «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ «169» فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» «آل عمران: 169، 170»

وقد ورد فى حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للشهيد عند الله ست خصال، منها «... ويشفع فى سبعين من أقاربه» «جامع الترمذى».

إن الجند المصرى له مكانته ومنزلته، ومصر -جنودًا وشعبًا- فى رباط ما دامت الحياة باقية من أجل الدعوة إلى عبادة الله الواحد - وفق مراده سبحانه - وعمارة الأرض وترسيخ كافة المبادئ التى تحقق الحياة الكريمة للناس جميعًا فى كل زمان ومكان. عن عمرو بن العاص رضى الله عنهما: حدثنى عمر رضى الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدى فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبوبكر: ولمَ ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة».

هذا «الشهيد الحى» الذى نحتفل به اليوم صنعته الأم، فهذه المرأة المصرية العظيمة هى التى ربَّت هذا «الشهيد الحى» على البطولة والفداء للوطن، وقرّت عينها بشهادته رغم لوعة قلبها بفراقه، وهى التى رافقته مسيرة الشهادة كما رافقته مسيرة الحياة.

ويتوافق أن يكون أمس الثلاثاء الموافق 8 مارس هو اليوم العالمى للمرأة، وفى 16 مارس نحتفل بيوم المرأة المصرية، وهو يوم جهاد وشهادة وتضحية، وهو ما يعكس أيضًا طبيعة أيام القاهرة الثقافية، ونلحظ فى هذا أيضًا الارتباط بيوم «الشهيد الحى» فى المحيطيْن الزمانى والإنسانى.

والتاريخ شاهد على جهود المرأة المصرية وتضحياتها ومشاركتها القوية والفعالة للرجل من أجل رفعة الوطن وصناعة الحضارة عبر العصور، وأثبتت عمليّا أنّ الحياةَ لا يمكنُ أنْ تستقرَّ دون مشاركتِهما معًا، وأنّ كلاّ منهما مُكمّلٌ للآخر. يقول اللهُ تعالى: «مَنْ عَمِلَ صاَلِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» «النحل: 97»، فالرجلُ والمرأةُ أمام اللَّهِ سواءٌ لا فرق بينهما إلا فى العمل الصالح النافع «دينًا ودنيا» الذى يُقدّمُه كُلٌّ منهما. يقول اللهُ تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أنِّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ» «آل عمران: 195»، فاللَّهُ تعالى يستجيبُ لدعاء الرجلِ والمرأةِ على السواء، وقولُه سبحانه «بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ» يدُلّ على أنّ كلاّ منهما مُكمّلٌ للآخر، وأنّ الحياةَ لا يمكنُ أنْ تستقرَّ دون مشاركتِهما معًا. والكرامةُ التى منحها اللَّهُ تعالى للإنسان فى قوله: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ» «الإسراء: 70» هى كرامةٌ للرجل والمرأةِ دون تمييز. قال الرسولُ ρ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِى أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» «البخارى» فإسناد المسئولية للمرأة يعبر عن مكانتها وحريتها.

وهذه المعانى العظيمة فى المرأة يتذكرها المصريون فى احتفالهم فى هذا الشهر أيضًا بذكرى السيدة زينب رضى الله عنها وأرضاها، وهى السيدة التى كان لها دور كبير فى الأحداث السياسية الكبرى، حيث اقترن اسمها فى التاريخ بمأساة «كربلاء»، وهى كما يقول المؤرخون: السيدة الأولى التى ظهرت فى اللحظة الحرجة تأسو المكلوم، وتثور للضحايا الشهداء، وحملت على عاتقها حماية السبايا من الهاشميات ورعاية سيدنا على زين العابدين، ومن هنا جاءت كنيتها «أم هاشم». واختارت مصر لتعيش بها آمنة مطمئنة، ووصلتها فى شعبان عام 61 هـ، واستقبلها المصريون ووالى مصر مسلمة بن مخلد الأنصارى، ومضى بها إلى داره فأقامت بها قرابة العام، وقضت نحبها سنة 62هـ رضى الله عنها، وظلت بين أهل مصر حيةً ومُنتقلةً رمزًا ومنبعًا لمعانى البطولة والجهاد. ومعروف أن أول كنيسة بنيت فى مدينة الفسطاط كانت فى عهد مسلمة بن مخلد الأنصارى. يقول الله تعالى: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» «يوسف: 99»

يجب علينا أن نحكى لأولادنا دائمًا سير «شهدائنا الأحياء» ونوضح بطولاتهم؛ للاقتداء بهم فى العمل والكفاح من أجل رفعة الوطن وتقدمه والتضحية فداءً له بالنفس والنفيس، وما يحدث فى العالم الآن يحتم على كل فرد منّا أن يقوم بدوره ليكون بلدنا قويًّا فى مختلف مجالات الحياة بالعلم والمعرفة والوعى الرشيد.

 

----

رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ

نائب رئيس جامعة الأزهر السابق