رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

أوراق مسافرة

نتابعها، نكتب عنها، «نمصمص» الشفاه تصعبًا على أحوال ضحاياها، وقد نبكى من فرط الإنسانية والمواساة لهم، لكننا أبدًا، أبدًا لن نعيش نفس شعور المأساة وعمقها، كما يعيشه أهلها، أهل البلدان التى يمارس قادتها وزعماؤها لعبة الحرب لإظهار القوى، أو قل العين الحمراء واستعراض العضلات أمام الأعداء أو ضد من يفترضون أنهم يهددون الأمن القومى.

فى أكتوبر عام 93 عايشت عن قرب حربًا حقيقية فى جنوب شرق أوروبا، حرب إبادة عرقية بين دويلات يوغسلافيا السابقة، تلك التى مارسها رئيس صربيا «سلوبودان ميلوسيفيتش» ضد كرواتيا اعتراضًا على استقلالها، ثم ضد البوسنة والهرسك، كنت والزميل الكاتب الصحفى سعيد السبكى أول صحفيين عربيين يقومان بتغطية الحرب من خلال بعثة دولية سافرت من هولندا برًّا إلى كرواتيا، كان القلم والكاميرا يقفان عاجزين عن وصف المذابح التى راح ضحيتها المدنيون، والتصفيات العرقية التى وقعت، وحرب الشوارع، والبيوت التى قصفتها نيران الحرب ودفنت بين أنقاضها الآلاف، يعجز القلم والكاميرا عن وصف الدماء التى تغطى الشوارع، ويتم الأطفال، ورعب العجائز، وعجز الرجال الذين بلا سلاح وهم يحتمون بلا شيء ثم يواجهون مصيرًا حتميًا « الموت»، قصص النساء وحملات الاغتصاب الممنهج التى ارتكبتها القوات الصربية، وحفلات القتل الجماعى للرجال بعد اغتصاب نسائهم وبناتهم أمامهم، وقتل أطفالهم بعد إلقائهم فى الهواء وتلقفهم على أسنة السلاح النارى، وكأنهم يمارسون لعبة « فيديو جيم».

فى الحرب التى تنعدم فيها موازين القوى، وتسود فيها نعرة القومية بصلافة، تنعدم فيها الأخلاق، ويصبح كل شيء مباحًا حتى أفظع الجرائم، جرائم الحرب والتى حوكم بصددها بعد ذلك الرئيس الصربى فى «لاهاي» العاصمة السياسية لهولندا أمام محكمة دولية تشكلت خصيصًا لجرائم حرب يوغسلافيا السابقة، وشاء القدر أن أغطى وزميلى أنباء المحاكمة لجريدتنا الوفد، ومات مجرم الحرب أثناء المحاكمة متأثرًا بارتفاع ضغط الدم، ولم يشفِ موته أو من قبلها محاكمته هو وحفنة من قادة الصرب الأم عشرات الآلاف من أسر الضحايا.

 هل يجب أن أهلل مع المهللين لإظهار الدب الروسى قوته لضبط معادلة ميزان القوى مع أمريكا؟، هل يجب أن أثمن قيامه بتلك الحرب غير المتكافئة ضد جارته أوكرانيا لتأديبها لأنها كانت ستقبل بوجود قواعد عسكرية لحلف الأطلنطى على أرضها؟ لن أجيب على هذه الأسئلة وسأرجئها لاحقًا، وأسرد عدة حقائق، تتمثل فى أن حلف شمال الأطلنطى رغم تحذيرات روسيا المتكررة من توسعة شرق ووسط أوروبا، واعتبار هذا تهديدًا لأمنها القومى، إلا أن الحلف نفذ عدة توسعات خطيرة ضاربًا بكل تحذيرات وتهديدات روسيا بعرض الحائط.

 ففى عام 1999 ضم الحلف إليه هنغاريا وبولندا وجمهورية التشيك ودول مجموعة «فيسغراد»، وفى عام 2004 ضم بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، أو دول مجموعة «فيلنيوس»، وفى عام 2009 انضمت ألبانيا وكرواتيا، ثم الجبل الأسود عام 2017 ومقدونيا الشمالية عام 2020، ومؤخرًا، تم إدراج «البوسنة والهرسك»، جورجيا، وأوكرانيا كدول مرشحة للانضمام.

انضمام دول من وسط وشرق أوروبا، يعنى أنه من حق الحلف زرع قواعد عسكرية تابعة على أراضى هذه الدول، وكان أكثر ما حذرت منه روسيا دومًا هو بناء الدرع الصاروخى الأمريكى على أراضى هذه الدول القريبة منها، وهذه الدرع الصاروخية، هو بناء أنظمة صواريخ أرضية تكون بمثابة شبكات حماية قائمة على أساس نقاط ارتكاز جغرافية متعددة، لديها القدرة على إسقاط الصواريخ « الباليستية» العابرة للقارات، والتى يمكن أن تستهدف أميركا أو حلفاءها، بالتالى الدرع موجهة للتصدى لأى صواريخ روسية وتدميرها حال نشوب أى حرب ضد دواة من الحلف أو دولة تهتم لأمرها أمريكا، ورغم تحذيرات روسيا، بنت أمريكا الدرع الصاروخية فى ليتوانيا ورومانيا، ورومانيا تشترك فى حدود طولها 650 كيلومترًا مع أوكرانيا الجارة القريبة لروسيا، كما نشرت أمريكا والحلف مجموعات قتالية فى «استونيا، لاتيفيا، ليتوانيا» فى خطوط المواجهة الأمامية، ونشرت وحدات تكامل مع قوات الحلف فى كل دول شرق أوروبا المنضمة للحلف، وكلها قريبة أو تتماس مع روسيا، أى أمريكا نفذت كل ما تطمح إليه فى شرق أوربا ووسطها، دونما أدنى اهتمام بالتحذيرات والتهديدات الروسية، وبعد كل هذا، لماذا ثارت روسيا ضد أوكرانيا ولماذا الحرب؟.. للحديث بقية. 

[email protected] com