فى زحام الحياة نحتاج أن نرسى بأرواحنا قليلًا على قارعة قلوب لها أيدٍ حانية تربت على أكتافها الموجعة فجميلة هى البدايات فى كل شىء.. تجد فيها اهتماما وحبا وشغفا وجنونا.. وشخصا يفعل المستحيل لينال قربك ويشعرك بأنك أهم ما لديه وأغلى ما عنده.. وقليلون هم من يصمدون ويظلون على وتيرة واحدة فإن لم يستمروا تأكد جيدا أنه لم يكن حبا بل كان رغبة فى التملك.. وكثير منا عندما يملك الشىء يزهده ويهمله ولا يعرف قيمته إلا بعد زواله من يده.. لأن الحب والاهتمام كالإنسان وظله إذا ضاع الأول اختفى الثانى فاحرص دائما على أن تسقى الأول بالثانى لكى يظل حبا.
مازلت أذكر المسلسل العربى «الحب وأشياء أخرى» للممثل الرائع ممدوح عبدالعليم رحمة الله عليه والممثلة آثار الحكيم قصة حب انهارت بل وتبخرت أمام أول اختبار بين «الناس اللى فوق والناس اللى تحت» فهو رجل فقير بالرغم من أنه فنان وعازف مشهور وهى دكتورة من أسرة غنية.. نظرة تشاؤمية لكنها الحقيقة.. فأين مدرسة حب الزمن الجميل؟!.. ولّت بل وانتهت مع روائع أم كلثوم ولم تعد ثابتة أمام سحر «المادة» قتل أرقى أنواع الحب أمام صخرة الفقر والجوع.. فأصبحت الأموال والأشياء أغلى من الحب فى زمن الجفاء.
وأجمل ما قيل فى الحب كلمات معبرة ودستور لكل محب للدكتور والكاتب العبقرى مصطفى محمود «الانتصار على الأنانية ليس معركة يوم، وإنما معركة عمر وحياة.. ولكن ثمار المحبة تستحق كفاح العمر.. وإذا قالوا لك إن معجزة الحب تستطيع أن تشفى من الأمراض فما يقولونه يمكن أن يكون علمياً فبالحب يحل الانسجام والنظام فى الجسد والروح, وإذا كان الحب لم يشفِ أحداً إلى الآن فلأننا لم نتعلم بعد كيف نحب؟!».. وقال أيضاً: «شروط حدوث الحب، أن تكون النفوس خيرة أصلا، جميلة اصلا، والجمال النفسى والخير هو المشكاة التى يخرج منها هذا الحب، وإذا لم تكن النفوس خيرة فإنها لا تستطيع أن تعطى فهى اصلا فقيرة مظلمة ليس عندها ما تعطيه».
لكن هناك قلوب لا تعرف كيف تكره مهما ظلمتها.. وقلوب لا تعرف كيف تحب مهما فعلت من أجلها.. فالصداقة والحب فى كل العلاقات وجهان لعملة واحدة.. لا تحتاج أبدا إلى عهود وشروط وأسباب.. إنها تحتاج فقط إلى شخصين وقلبين يخاطبان الروح دون حواجز أو حتى عقود.. لكن شخصا يثق وآخر يوفى وكفى.. فلا تبحثوا عن الحب ابحثوا عن ثقة لا تهزها عواصف الدنيا.. فليس الطريق لمن سبق، إنما الطريق لمن صدق.. وسلاما لمن اختارَ أن يهتم بك.. ولم يكتف فقط.. بحبك.. لمن اختار أن يحتويك بقلبه وعقله وأفعاله. وتصرفاته ووعوده الصادقة وبقائه على العهد سلامًا.. لشبيه الروح إذا وعد صدق لمن يهمه تفاصيل ألمك قبل فرحك كل السلام والتحية لمن استطاع من وسط الزحام أن يخطف بصيرتك ويكون مرايتك.. وسندك ونجاتك حتى فى أحرج اللحظات.. وتحية إجلال وتقدير لمن أوفى فى الخفاء قبل العلن.
فلا تتورط بالبقاء فى حكاية لا تجد فيها الاحتواء.. ولا تبحث عن التقدير لدى شخص لا تشعر بقيمتك بقربه لا تشحذ اهتماماً لن يأتى.. ولا تعلق حياتك باحتمالات بعيدة.. لا تجعل قلبك يقودك لطرقات وعرة تؤول بك للعدم أحياناً.. من أشكال احترامك لذاتك أن تحتفظ بمشاعرك حبيسةً داخل أدراج صمتك.. الحياة تعلمك الحب.. والتجارب تعلمك من تحب.. والمواقف تعلمك من يحبك مقولة شهيرة للعبقرى «نزار قبانى» من باع الثمين بلا ثمن اشترى الرخيص بأغلى ثمن من يحبنا ونحن فى أسوأ حالاتنا.. هم من يستحقون أن يبقوا فى قلوبنا للأبد.. فهو السمو فى الحب.. والمحظوظ هو من وجد قلباً وفياً صادقاً، فى زمن كثر فيه الخداع.. وطوبى لمن يرون الجمال فى التفاصيل البسيطة التى لا يرى فيها الآخرون أى شىء.. أنا لا أنسى من جعلنى يومًا أُضىء فى عتمتى، أو أضحك بالرغم من شحب وجهى. حتى ولو فرقتنا الأيام والأماكن فالقلوب شواهد لا تنسى يدًا مُدَّت لها حين شارفت على سقوطها من الحافة.. من يريدك لا يتخلى عنك ولا يتنازل ولا يرحل. لأنه يخاف فقدانك. فأنت أساسى فى حياته.. ومن لا يعتبرك شيئا عنده إنما فقط لسد الفراغ فى قلبه، سيرحل عنك لفترة ويعود إليك وهكذا يرحل ويعود. وقد لا يعود.. ستجد دائما من يحبّك بلا أى سبب، لن يكترث للماضى، لن يهتم للتفاصيل، يحبك بكل ما فيك من عيوب، يحبك فقط لأنك أنت!.. انظروا للأفعال وليس الأقوال، فهذا أرقى أنواع الحب.
ونصيحة العمر: تخلصوا من كل العلاقات التى تؤذيكم نفسياً وصحيًا واختموها بلا تردد فالعلاقات تتعوض ولكن الصحة لا تتعوض.. عندما تثق بأحدهم بشكل كامل حتماً ستحصل على إحدى هاتين النتيجتين: إما شخص مدى الحياة أو درس مدى الحياة فمعايير الحب بالتأكيد معايير الحب قد اختلفت وبالميزان فى هذا الزمان.. فلا تشتاق لمن استغنى عنك فمن كان لك عابراً كن له بائعاً وضع الأشياء فى مكانها الصحيح فلا تضع الرخيص فى مكان الغالى ولا تهتم بمن لا يستحق الاهتمام بل ارحل عن من رحل عنك واهتم بمن يهتم بك وتجاهل من يتجاهلك والفظ من خان.. والأمان أعلى منزلةً من الحب وكفى فلا تقترب أبدًا حين تنبهر، بل اقترب فقط حين تطمئن وكن مع من يستحقك.. وحين يسألونكم عن الحب فقولوا لهم: هو شعور جميل لا يكتمل إلا بالاهتمام وقليل من التضحية.
وكثير من الوفاء.. وغيرة خالية من الشك والظنون ووفاء حتى فى الغياب قبل الحضور.. وللحديث بقية.
رئيس لجنة المرأة بالقليوبية
وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية