عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهدوء

 

 

 

يدور فى مصر على فترات متقطعة صراع كلامي بين الإسلاميين والعلمانيين، وبين المؤمنين والملحدين، يكشف هذا الصراع بوضوح عن مجتمع لا يعرف أهمية الاختلاف، ولا حقيقته كسنة الله فى الكون منذ بدء الخليقة، فالله خلق الكون على سنة الاختلاف والتعدد، فظاهرة الإلحاد ملازمة لظاهرة الإيمان، ملازمة الشيء لنقيضه، ولم يكن الإيمان فى أى مرحلة من التاريخ منفصلا عن الإلحاد، ولا عن الأسئلة التى يطرحها الملحدون على أصحاب الرسالات والأديان، فالملاحدة يرون أنها حياتهم الدنيا يموتون ويحيون وما يهلكهم الا الدهر، فكان الإلحاد ممتدا فى التاريخ قبل الإسلام، وهو ممتد وسيمتد حتى يرث الأرض ومن عليها، وسيظل التاريخ شاهدا على الحوار بين حجج الإلحاد فى انكار العقائد، وحجج الإيمان فى إثبات العقائد الدينية.

نقول ذلك بسبب حملات الإقصاء المتبادل بين هؤلاء وأولئك، فالأصل فى مجتمعاتنا العربية الإسلامية هو سيادة الإيمان، وما الإلحاد سوى حادث عرض فى حياتهم، ومع ذلك هناك حالة فوبيا واضحة لدى المؤمنين فى الخشية على الدين، ولذا نجدهم يحقرون منهم، ومن اجتهاداتهم وآرائهم خاصة منهم من يبث أفكاره من خلال كتاباته وآرائه، بدعوى الخشية على إيمان ومعتقدات الناس، ونحن نتساءل أى إيمان يمكن أن نخشى عليه من المواجهة مع المغاير له هو إيمان هش ضعيف لا يتعرض للاختبارات.

إن الإيمان كما جاء فى معظم الأديان هو الإقرار بإله للكون، والإيمان بالبعث بعد الموت، وأن يلحق ذلك العمل الصالح، فعقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر هى صلب الأديان، وما الأديان سوى طرائق لهذه العقيدة، ولكن كهنة الأديان يصورون لأصحاب كل اعتقاد أنهم وحدهم على حق، والآخرين على باطل، فتحولت العلاقات بين أصحاب الأديان إلى علاقات اقصائية تكفر بعضها البعض، وتنفى بعضها البعض، وداخل كل دين تفرق أصحاب المذاهب داخل الدين الواحد، وكل أتباع مذهب يكفرون أتباع المذاهب الأخرى، وبدلا من أن يتحول الدين إلى رابطة وحدة بين أهله، تحول الدين وفقا للقراءة الكهنوتية إلى الصراع بين أتباع الدين والأديان الأخرى، وبين أتباع كل دين واحد بين المذاهب المختلفة، فأصبح الدين عبر القراءة المتشددة وقود الصراع بين بنى البشر، ووقود الصراع بين أصحاب الدين الواحد.

فى ظل هذا الصراع غابت حقيقة الإيمان بالله واليوم الآخر وهو عصب كل الأديان، فالإيمان بالله قوة فاعلة فى حياة الإنسان، قوة تعين الإنسان على مواجهة المرض والخوف والفقر، قوة تبث الأمل فى مواجهة اليأس الذى يرافق عجزه وقوة فى مواجهة عذابات الحياة، فالإيمان قوة يستند إليها الإنسان فى ضعفه قبل قوته، وقوة يستمد منها طاقة الخير والنور وكل القيم الأخلاقية العظيمة، فالتوحيد هو تحرير الإنسان بنفى كل أشكال العبودة السلبية التى يتعرض لها الإنسان، والإقرار بعبودية الله وحده.

وأما الإيمان باليوم الآخر فهو الذى يمنح المعنى لكل القيم الأخلاقية التى أرستها منظومة الدين، فالإنسان يقر بالطاعة لكل التعاليم الأخلاقية التى أمر بها الدين، لأن الإنسان يؤمن بالبعث فى الحياة الأخرى لأن الله سيكافئه على هذه الطاعة، كما أن الإيمان باليوم الآخر هو الذى يطفئ قلق الإنسان المتقد تجاه الموت، وزعره الشديد من أن تكون نهايته ككل الكائنات الحية التى تنطبق عليها دورة الحياة والموت، وهو الذى منح العقل لكى يفكر فى كل شيء، وبه يستخلف فى الأرض، ولكن يظل الموت هو الذى يؤرق مضاجعه، والذى يطفئه هو إيمانه باليوم الآخر.

ويظل العمل الصالح هو القاعدة التى تلحق بالإيمان بالله واليوم الآخر، لأنه يسهم فى الارتقاء بالحياة الإنسانية، ولذا تكون الآية الكريمة (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلنجزينهم أجرهم بما كانوا يعملون) هى القاعدة الذهبية لقضية الإيمان، فمتى ندرك حقيقة الإيمان وجوهره؟