رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تجلية ثقافية 5

 

 

تحدثُنا القاهرةُ اليوم عن حرص المصريين على التبرع فى وجوه الخير، والإصلاح الاجتماعى، فبأموالهم الخاصة كانوا يبنون المساجد، وينشئون المدارس، كما كانوا يهتمون بإنشاء «التكايا» لإطعام الفقراء والغرباء وطلاب العلم ورعايتهم وإيوائهم، هذا بجانب إنشاء «الأسبلة» لسقى الناس الماء، و«الأحواض» لسقى الدواب، ووضع الحبوب والماء فى أوانٍ لإطعام الطيور وسقيها، ويوصون بوقف بعض ممتلكاتهم بعد موتهم «الأوقاف الخيرية» ليُصرف عائدُها المستمر على المحتاجين وطلاب العلم وغيرهم، وهذا من أهم مظاهر التكافل الاجتماعى الشعبى الذى تميز به المصريون عبر مختلف العصور والأزمان.

ويُعد مجمع «محمد بك أبوالدهب» أحد ملامح تاريخ القاهرة الاجتماعى فى القرن الثامن عشر الميلادى، ففيه أنشأ «محمد بك أبوالدهب» مسجدًا فى الجهة المقابلة من مدخل الجامع الأزهر، وألحق به «تَكِيَّة»؛ لإطعام الغرباء والفقراء وطلاب العلم وإيوائهم، وسبيلًا لسقى الناس، وحوضًا لسقى الحيوانات، ووُضعت أوانٍ كبيرةٌ فوق مأذنة المسجد خُصّصت لإطعام الطيور وسقيها. وقد استخدم المسجدُ ليكون مدرسةً لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب الوافدين على الجامع الأزهر الشريف.

وهذا كله من التكافل الاجتماعى المطلوب لتوازن حركة المجتمع واستمراره، فقد دعا الإسلام إلى التكافل والتكامل بين أفراد المجتمع حتى يسوده الوُدُّ والتراحمُ والأخوةُ والتماسُك والترابط، فيصبح الاستقرار المجتمعى سمةً ونظام حياةٍ، الأمر الذى يتطلبه التقدم فى مختلف مجالات الحياة.

عن أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهَّ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ.» (صحيح مسلم)

 وفى شرحه لهذا الحديث وضّح ابن دقيق العيد القوصى - أحد علماء الحديث والفقه الذين حوتهم مدينة القاهرة وتُوفى 1302م - أنه حديثٌ عظيمٌ، وجامعٌ لأنواع من العلوم والقواعد والآداب، وفيه فضلُ قضاء حوائج الناس ونفعهم بما يتيسر؛ من علمٍ، أو مالٍ، أو معاونةٍ، أو إشارةٍ بمصلحة، أو نصيحةٍ، أو الدعاء بظهر الغيب، أو غير ذلك.

وفى الحديث حثٌّ على خدمة الناس جميعًا، وعدمِ تتبع عوراتهم وأخطائهم، وطلب العلم، ومجالسة العلماء والاستفادة منهم، وفيه إشارة إلى أنّ الشرفَ يتحققُ بالعمل والكفاح وليس بالحسب والنسب دون عمل. كما يحث على التيسير على المعسر، إما بالانتظار حتى يتيسر له الأمر، وإما بإعطائه ما يزول به إعساره، أو يُسقط عنه الدّيْن (إن كان هو نفسه الدائن). يقول الله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة:280). وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كانَ تاجرٌ يُداينُ الناسَ فإذا رأى مُعسِرًا قالَ لفتيانِهِ تجاوزوا عنهُ لعلَّ اللهَ يتجاوز عنَّا فتجاوزَ اللهُ عنهُ» (رواه البخارى ومسلم) حفظ الله مصر شعبًا كريمًا عظيمًا.