رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تجلية ثقافية 4

لا تزال صفحتُنا مفتوحةً تتحدث عن القاهرة وتاريخها العلمى والثقافى، الذى أثرى المكتبةَ الإسلامية والعربية والمعرفةَ التى تفيد الإنسان فى كل زمان ومكان.

تحدثُنا اليوم عن أحد كبار علمائها، الذين فاضت بعلمهم الدنيا لا سيما فى علوم السنة المشرفة والفقه واللغة العربية، إنه الإمام بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد ابن الحسن بن يوسف بن محمود الحلبى، والمعروف بالبدر العينى، كان والده من أهل «حلب»، ثم انتقل إلى «عين تاب» وولى قضاءها، وبها وُلد البدر العينى عام 762 هـ 1360م، وتعلم على يد والده وغيره من شيوخ العلم فى بلده، وتنقل فى أكثر من بلد طلبًا للعلم، وجاء إلى مصر 788هـ 1386م ودرس مختلف العلوم على شيوخها، ومنهم الحافظ زين الدين عبدالرحيم العراقى، فقد سمع عليه صحيح البخارى بقلعة الجبل بمدينة القاهرة التى استقر بها حتى أصبح عالما فى الحديث والفقه واللغة العربية والتاريخ، وأثرى هذه العلوم بمؤلفاته النافعة التى تناقلها العلماء عصرًا بعد عصر.

درّس البدر العينى الحديث الشريف وغيره من العلوم فى مختلف مدارس القاهرة سنين طويلة، لأنه كان معمَّرًا، فقد درس الحديث الشريف فى المدرسة «المؤيدية» وحدها ما يقارب أربعين سنة - وتقع هذه المدرسة فى آخر شارع الغورية بجوار باب زويلة- هذا بجانب دروسه فى مدارس أخرى بالقاهرة، كما ولى منصبَ شيخ «نظر الأحباس» وهو يوازى وزارة الأوقاف الآن.

ومن تلامذة البدر العينى الإمام كمال الدين بن الهُمام، والحافظ شمس الدين السَّخاوى، وزريق محدث الديار الشامية، ومحب الدين المصرى وغيرهم.

وعن فتوى مهمة تتعلق بكِسوة الكعبة، أورد القاضى نور الدين ابن الخطيب الجوهرى فى تاريخه «نزهة النفوس» أنه فى عهد سلطان مصر الملك «الأشرف برسباي» (تُوفى 1438م) طلب «شاه رُخ بن تيمور لنك» أحد ملوك الشرق (هراة، سمرقند، شيراز) من الأشرف السماح له بأن يكسو الكعبة المعظمة وفاءً لنذر نذره، وكان أمر الكسوة إلى ملوك مصر من قديم الزمان، فهاجت القاهرة وماجت خوفًا مما خبأه القدر وراء هذا الطلب، وتحيّر العلماءُ فى شأن هذا الأمر، فأصدر «البدر العيني» فتوى بأن هذا النذر غير منعقد ولا يجب الوفاء به، فانحل العقد وزال الإشكال، واستمر الأمر إلى مصر حتى عهد قريب.

أورد الإمام البدر العينى فى باب «إطعامُ الطعامِ من الإسلام» فى كتابه «عمدة القارى فى شرح الصحيح للبخاري» الحديث النبوى الشريف: عَنْ عبداللهِ بْنِ عَمْرٍو-رضى الله عنهما-أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَى الْإسلام خَيْرٌ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

فنلاحظ أنه قد جعل الجزء الأول من الحديث عنوانًا للباب، ولم يقل «بابُ إقراءِ السلامِ على من عَرَفَ ومن لم يعرِف من الإسلام» ويوضح علةَ ذلك فيقول: «لا شك أن كونَ إطعامِ الطعام من الإسلام أقوى وآكَدُ من كونِ إقراء السلام منه، ولأن السلامَ لا يختلفُ بحالٍ من الأحوال بخلاف الإطعام، فإنه -أى الإطعام- يختلف بحسب الأحوال، فأدناه مستحبٌ وأعلاه فرضٌ، وبينهما درجات أُخَر، ولأنّ التبويبَ بالمقدَّم والمصدَّر أولى على ما لا يخفى».

ويوضح الإمام العينى بذلك أن أحكام السلام ثابتة، فإلقاؤه سنة والرد عليه واجب، أما إطعام الطعام فإن التصدق فيه من السنن وله مراتب كثيرة، وإطعام من تجب على المسلم نفقته من الواجبات، ما يؤكد صحة تقديم شأن إطعام الطعام على السلام.

والحديث فيه حث على إطعام الطعام الذى هو أمارة الجود والسخاء ومكارم الأخلاق، وفيه نفع للمحتاجين وسد الجوع، وإطعام الطعام على وجه الصدقة والتبرع أو الضيافة أو الهدية.. ويحث الحديث كذلك على إفشاء السلام على الناس جميعا دون تخصيص أحد فيه.

ويقول البدر العينى إن استخدام لفظ الإطعام بدلا من الأكل ونحوه من الألفاظ الدالة عليه؛ لأن لفظ الإطعام عام يتناول الأكل والشرب. وإطعام الطعام هنا غير مختص بأحد سواء كان المطعَم إنسانا أو حيوانًا أو طيرًا أو أى ذى روح.

وهناك من العلماء من جعل المكارمَ على نوعين: مكارم مالية ومنها إطعام الطعام ومكارم بدنية ومنها إفشاء السلام.

فإطعام الطعام، وإفشاء السلام على من تعرفه ومن لا تعرفه من الناس من أهم آداب الإسلام وتعاليمه التى تحقق المواطنة والتى هى عبارة عن الإخاء والتآلف، والود والتراحم والتعاطف، والتعاون والتكافل.

--

عضو الشيوخ ونائب رئيس جامعة الأزهر السابق