رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أوراق مسافرة

 

قبل أعوام ليست بعيدة، كان يملأ الدنيا حركة وحياة ومرحاً، ولما لا، فقد أعطاه الله كل ما يتمناه أى إنسان طبيعى من مسببات السعادة، الصحة والستر المالى من خلال عمله، وزوجة وابنتين توأمتين «البصة فى وشهم» بالعالم كله، لكن الزمن لا ضمان لتقلباته، والنعم لا قابض عليها من الزوال إذا ما أراد الله لصاحبها أن يبتلى فيها بزوالها، أو غياب بعضها، فقد انهالت عليه الاختبارات السماوية، بحادث سيارة مروع، لم يتصور أحد أن يخرج منه على قيد الحياة، ولكنه خرج منه بنصف حياة، معاقاً فى ساقيه، قعيداً لا يتحرك إلا من خلال كرسى متحرك، كان هذا البلاء الأول لـ«عادل»، الذى فقد بسبب إعاقته عمله الذى كان، وتم إلحاقه بعمل يتلاءم مع المعاقين عن الحركة.

هكذا دخل عالم ذوى الاحتياجات الخاصة، ليكتشف ويواجه صعوبات لم تكن تدور بخلده من قبل، وأشياء كانت تمر عليه مرور الكرام عندما كان يتصادف أن يشاهد أحد المعاقين ذهنياً أو حركياً قبل أن ينضم هو نفسه إلى هذه الفئة، وهذا ما سأفرد له لاحقاً، ولم تقف به تقلبات الدهر عند هذا الحد، فقد مرضت زوجته وإحدى ابنتيه التوأم بالمرض الخبيث، وتخطف ملك الموت أرواحهما واحدة تلو أخرى، ليترك فى قلب عادل وابنته الثانية ندباً عميقة سوداء من الحزن والألم، لا تكفى دموع العالم لتهوينها وعلاجها، ولا يمكن لأكف العالم لو حنت عليهما أن تهدئ من لوعة مصابهما.

هكذا وجد نفسه معاقاً برفقة ابنته ذات السنوات العشر، ولا يعرف، هل هو الذى سيرعاها مع عجزه المستجد، أم هى التى سترعاه مع طفولتها الخضراء وأحزانها التى لا تنضب من فقدها لأمها وشقيقتها توأم روحها وجسدها، والتى كانت لا تفارقها أبداً، وتتطابق معها فى كل شىء، باستثناء المرض اللعين الذى اختطف توأمتها وتركها وحيدة فى الحياة مع أب مسكين، لا يتحرك إلا من خلال الكرسى المتحرك.

ولأن الحياة يجب أن تستمر بالأحياء مع كل الآلام التى أصابتهم، والأحزان التى تطحنهم، قرر عادل ابن الصعيد أن يحارب بما تبقى منه غلظة الحياة، لأجل ابنته مريم، فغادر بلدته التى شهدت جراحه وأحزانه، وجاء إلى القاهرة عسى أن يمنحه تغيير المكان هو وابنته أى جديد فى الحياة، بعض الطاقة والأمل ليستمر ويتجاوز ما مر به، وبالفعل استقر به الحال فى حى شعبى، وانتقل معه عمله بالطبع لأنه انضم إلى فئة الـ5% من العاملين للنسب المعاقة، ولكن لم تكن الحياة أبداً سهلة أو تحمل له الأمل والطاقة الإيجابية، فقد صار يعيش تفاصيل حكاية صعبة لها ألف وجه يختلف باختلاف نوع الإعاقة لفئات ذوى القدرات الخاصة بصفة عامة والمعاقين حركياً بصفة خاصة، سواء فى التحرك والانتقال، أو فى التعامل مع المصالح والمؤسسات من أجل نفسه وابنته وتعليمها، و...و...الخ.

وكان ولا يزال أول ما واجهه من صعوبات يحتاج إلى أن يراها المسئولون بقلوبهم قبل أعينهم، عدم وجود مكان خاص يمكن أن يتم تحريك الكرسى المتحرك عليه نزولاً من العمارة السكنية التى يقيم بها إلى الشارع، ما يضطره إلى الانتظار لأن يحمله أحد الجيران هو والمقعد والنزول به إلى الشارع، فابنته بجسدها النحيل حتى إن صارت الآن طالبة ثانوى، لا يمكنها حمل والدها بالكرسى المتحرك، كما أن الأرصفة بكل شوارعنا عالية جداً، وليس بها «مطلع» لكرسى متحرك أو حتى لكبار السن، كذلك الحال فى أغلب المصالح الحكومية، ليس بها نفس «المطلع» للمعاقين، أو حتى مصعد خاص بهم، وإن وجد هذا «المطلع» نجده مصمماً بطريقة غير عملية ويفتقد للجودة من حيث درجة نعومة أرضيته أو خشونتها، وكذلك درجة ميله الصعبة، بل أحياناً يكون عدم وجوده أفضل، لأنه محسوب على الخدمات الميسرة للمعاقين، وهو لا يؤدى هذه الخدمات.

كذلك المصاعد الموجودة فى معظم المصالح الحكومية ضيقة، ولا تستوعب غالباً مساحتها كرسياً متحركاً، بل هناك بعض المصاعد التى تتم برمجتها، بحيث لا تقف فى بعض الأدوار، ما يضطر المعاق إلى استخدام السلالم بمساعدة المواطنين للنزول بكرسيه المتحرك طابقاً أو الصعود طابقاً، وينطبق نفس الحال على مكاتب السجل المدنى، مكاتب التموين، مقرات مجلس الأحياء، وأيضاً أغلب البنوك، الأبشع هو عدم توافر هذه «المطلع» فى بعض المستشفيات، ليس فقط مشكلة عدم وجود مطلع بالأرصفة والمبانى الحكومية والمصالح الخدمية، بل هناك أيضاً سيل من الصعوبات التى تواجهه وأمثاله فى الحركة والتعاملات.

 و...للحديث بقية.

[email protected]