عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

من حكمة الله عزّ وجلّ أنه فضَّل بعض الأزمنة من الأيام والشهور على بعض، ففضَّل الأشهر الحُرم على سائر شهور العام، وجعل اللَّه لعباده فى أيام دهرهم نفحات، وهذه النفحات تأتينا نفحة بعد نفحة، وقربة بعد قربة، ونعمة بعد نعمة، وفرصة بعد فرصة؛ لعلَّ أن تصيبنا نفحة فلا نشقى بعدها أبدًا، ولقد حثنا النبى صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، على اغتنام هذه النفحات فى مواسم الطاعات حيث قال:- «افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم» {أخرجه الطبرانى، وحسنه الألبانى} أي: افعلوا الخير فى عمركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله فى مواسم الخيرات وأزمنة البركات التى يصيب الله بها من يشاء من عباده، واستمدت الأشهر الأربعة الحُرم تسميتها وحرمتها حتى قبل الإسلام حيث كانت العرب فى الجاهلية تحرم هذه الأشهر الأربعة، وسبب تحريمهم لـ «ذى القعدة وذى الحجة والمحرم» هو أداء شعيرة الحج، فكانوا يحرمون قبله شهرًا ليتمكنوا من السير إلى الحج، ويسمونه القعدة لقعودهم عن القتال فيه، ثم يحرمون ذا الحجة وفيه أداءُ مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهرًا ليعودوا إلى ديارهم، وحرموا «شهر رجب» فى وسط العام لأجل زيارة البيت والإعمار، حتى يأمن قاصدُ البيت الغارة فيه، وقال ابن كثيرٍ رحمه اللَّه فى تفسيره: «كان الرجلُ يلقى قاتل أبيه فى الأشهُر الحُرم فلا يمُدُّ إليه يده»، إلا إذا بادر أحد فى الاعتداء على أحد فحينئذ يسوغ له مقاتلته دفاعًا عن النفس ودرء للضرر اللاحق به.

جعل اللَّه سبحانه وتعالى الطاعات والعمل الصالح فى الأشهر الحُرم أعظم ثوابًا وأجرًا، كما جعل الظلم فيها أشد إثمًا وأعظم وزرًا عمّا سواها من الشهور، قال تعالى-: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} {التوبة:36}، قال القرطبى رحمه اللَّه فى تفسيره: «لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب، لأن اللَّه سبحانه إذا عظّم شيئًا من جهة واحدة، صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو عدة جهات، صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب»، وتعظم المعاصى بسبب شرف الزمان الذى حرّمه اللَّه، ويجب علينا أن نحذر من المعصية فى الأشهرُ الحُرم؛ لأنّها ليست كالمعصية فى غيرها؛ بل المعصيةُ فيها أعظمُ، كما قال سبحانه: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ» {البقرة: 217}، أي: ذنبٌ عظيمٌ، وجرمٌ خطيرٌ، وكما أنّ المعاصى تعظُم فى الأشهر الحُرم؛ فكذلك الحسنات والطاعات تعظُم وتُضاعف فى تلك الشهور؛ والتقرب إلى الله عزّ وجلّ بالطاعة فى الأشهر الحُرم أفضلُ وأحبُّ إليه سبحانه من التعبد فى سائر الأيام؛ فالثواب والعقاب مضاعف فى هذه الأشهر، والحسنة تُضاعف فيها كما تُضاعف السيئة.

يستحب فى هذه الأزمنة كثرة التقرب إلى اللَّه تعالى بالعبادات وسائر الأعمال الصالحة؛ من توبة، وصلاة، وصيام، وصدقة، وعمرة، وذكر، وإماطة الأذى عن الطريق، والبشاشة فى وجوه الناس، والكلمة الطيبة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والعطف على الفقير، والإحسان إلى المسكين، ومؤازرة الأرملة، ورحمة المصاب، والمسح على رأس اليتيم، وغيرها؛ فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض لهذه النفحات– نسأل اللَّه تعالى أن يجعلنا منهم..

---

من علماء الأزهر الشريف