عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهدوء

 

 

 

  كان جيلنا فى السابق يمارس البحث العلمى بصورة تقليدية خالصة، فحين نشرع فى بحث علمى نتوجه إلى المكتبات لنجلس طوال النهار نطلع، ونجمع المعلومات فى بطاقات أو نقوم بتصوير أجزاء من كتب نحتاجها، كنا نشترك فى مكتبة الجامعة الأمريكية لنجلس طوال النهار للاطلاع على كتب نادرة، أو مراجع لا قدرة لنا على شرائها، أو نجلس فى مكتبات جامعة القاهرة ودار الكتب للاطلاع على الكتب، وكنا نشترى ما هو فى المتناول من معارض الكتب فكان الاعتماد على الكتب الورقى مسألة جوهرية، وكانت معاناتنا فى تحصيل المعرفة كبيرة، ولكنها ممتعة، فالرحلة نحو انجاز العمل أروع كثيرا من انجاز العمل نفسه، ويبدو أن صعوبة الطريق تخلق التحدى فى نفوس الباحثين نحو المثابرة والانجاز، فالمعاناة تصنع الإنسان، ولذا خلقت ظروفنا الصعبة نوعية جيدة من الباحثين، ولكن ماذا وصل بنا الحال بعد ظهور الشبكة العنكبوتية أو الانترنت، وما مدى تأثير هذه الشبكة على الحياة الأكاديمية؟

  لقد سهلت الشبكة العنكبوتية توافر المادة العلمية أمام الأكاديميين، فأصبحت المادة العلمية متاحة بزخم كبير، فالكتب الالكترونية عربية وأجنبية متوافرة بكثرة من خلال المواقع، والأبحاث العلمية متوفرة وبكثرة على هذه الشبكة، وبدل مما كنا نعانى من صعوبة المادة العلمية صرنا نعانى من كثرة المادة العلمية، وبدلا من أن ينصب جهد العقل على تحصيل المادة صار جهد العقل فى كيفية انتقاء المادة من كثرتها، كان العقل الأكاديمى يعانى فى السابق بسبب الجهد الكبير المبذول ولكنه كان يتعلم ويحصل ويبدع، ولكن العقل الأكاديمى حين أصبحت مصادر المعرفة سيالة على شبكة الانترنت أصبح عاجزا عن التمييز والانتقاء، فخلقت السهولة السيالة حالة من الاسترخاء والترف عجزت معها عقول كثير من الأكاديميين عن انتقاء الأفضل والأقوى من مصادر المعرفة، وأصبح الترف مفسدا ومضعفا لطاقة الباحثين عن العمل والتحصيل.

   وفشل قطاع كبير من جيل الأكاديميين فى العلوم الانسانية فى امتلاك القدرة على تصفية ركام المعرفة المتاح على الشبكة العنكبوتية، وأصبح الاستسهال قائما فى انتحال الباحثين للمعلومات الغثة من على الانترنت، واعتبارها معلومات قيمة، وعجز الجيل الجديد عن المثابرة على العمل البحثى، فتجد باحثين قد قاموا بعمل الماجستير والدكتوراه، ولم يقرأوا كتابا واحدا، أو بحثا كاملا، فكثر حملة الدرجات العلمية، ومعظمهم جاهل ولا يعرف حقيقة وبنية التخصص الذى قام بإنجاز عمله فيه، وسهلت الشبكة قيام بعض الأكاديميين بانتحال أبحاثهم من أعمال غيرهم، وانتشرت الأعمال المسروقة بصورة جزئية أو كلية.

  ولا يمكن أن ننسب حالة تردى الوضع الأكاديمى إلى شبكة الانترنت، فهذه الشبكة معظمها ايجابيات بالنسبة لجيل الأكاديميين الرصين، والايجابيات لا حصر لها، فالكتب التى كانوا يعانون فى تحصيلها أصبحت متاحة لهم، حتى لو قمنا بطباعتها ورقيًا فى صورة كتاب، وذلك لأننا لم نستطع التخلص من عشق الكتاب الورقى، كما سهلت تلك الشبكة التواصل بين الباحثين فى كافة أنحاء العالم، وأسهمت الشبكة فى أن يطل هؤلاء الأكاديميون بصوتهم فى محاضرات عامة، وأن يشاركوا فى حركة توعية شعوبهم فى كافة المجلات المعرفية، وانتشرت المؤتمرات العلمية على الشبكة، ولذا لا ينبغى أن ننسب السلبيات إلى الشبكة العنكبوتية.

   ولكن يظل أكبر الآثار السلبية للشبكة العنكبوتية أنها استطاعت أن تبتلع وقت العديد من الأكاديميين، لأن الشبكة عليها كل شيء من الأخبار، والأحداث الحية، والتواصل مع البشر، واستطاعت من خلال الصفحات الخاصة واليوتيوب أن تصنع أسماء أكاديمية مؤثرة فى المجال العام، وأصبحت الشبكة فضاءً حرا لكل الكتاب الذين لا يكتبون فى الصحف الورقية، وقد تأثرت حركة التأليف بالسلب نتيجة عدم انكباب الباحثين على مؤلفاتهم، وأصبحنا نعانى من قلة الكتابات الجادة فى معظم مجالات الأدب والفكر والعلوم الإنسانية، تلك الكتابات التى تحتاج إلى سياسة النفس الطويل والمثابرة، وأسهمت الشبكة العنكبوتية فى تردى واقع الترجمة، وانتشرت الترجمات الرديئة التى تعتمد على برامج الترجمة الالكترونية دون امتلاك ناصية اللغتين المترجم عنها والمترجم إليها.

 خلاصة الأمر.. إن الانترنت بدلا من أن يسهل حياة الأكاديميين أسهم أيضا فى حدوث ترف أفسد هذه الحياة بما قدمه من ترف بأن كل شيء أصبح متاحا وفى المتناول.