رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

حرصت جميع الشرائع السماوية على استدامة الزواج لبناء أسرة نافعة لمجتمعها، وبناء مجتمع إنسانى سليم، وقد وضع اللَّه لنا قاعدة ربّانية يجب أنَّ نأخذها معيارًا فى حياتنا الزوجية فقال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة:229)، وهذه القاعدة توضح وتبينُ منهجًا فى الحياة، فإمَّا الإمساك بالمعروف وإمَّا التسريح بالإحسان، ولقد وصف اللَّه سبحانه وتعالى وصف عقد الزواج فى القرآن الكريم بـ «الميثاق الغليظ» فقال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء: 21)، لقوة ومتانة هذا العقد الذى يصعب نقضه، كالثوب الغليظ الذى يعسر شقه أو تمزيقه، ولقد بيَّن اللَّه تعالى أنّ الأصل فى العلاقة بين الزوجين المودّة والرحمة، فقال اللَّه تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21)، والمعنى: ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم أيها الرجال من جنسكم أزواجًا؛ لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن، وجعل بينكم محبة وشفقة، إن فى خلق الله ذلك لآيات لقوم يتفكرون ويتدبرون، ولو تأملنا هذه الآية الكريمة لوجدناها تحتوى على مراحل ثلاث، هى السكن والمودّة والرحمة؛ فالسكن هو سكينة النفس وطمأنينتها واستقرارها، والراحة والحماية والأمن والسلام، حيث يرتاح كلٌّ منهما إلى الآخر، ويطمئن له ويسعد به، ويجد لديه حاجته؛ فإذا ما اهتزت هذه المرحلة ونفرَ أحدهما من الآخر جاء دور المودّة والمحبّة التى تُمسك بزمام الحياة الزوجية وتوفر لكليهما قدرًا كافيًا من القبول، فإذا ما ضعف أحدهما عن القيام بواجبه نحو الآخر جاء دور الرحمة، فيرحم كل منهما صاحبه؛ فيرحم ضعفه ويرحم مرضه، وبذلك تستمر الحياة الزوجية، ولا تكون عُرضة للعواصف فى رحلة الحياة، فالمودّة والرحمة إذا نُزعا من المنزل كانت الحياة شقاء ودمارًا.

تُعدُّ الحياة الزوجية أقوى الروابط الاجتماعية، ومع ذلك لا تخلو من الخلافات نتيجة اختلاف الطبائع البشرية، والتفاوت فى النفوس البشرية وصفاتهم، وقد تعصف رياح الشقاق بين الزوجين، وإذا وقع بين الزوجين خلاف فينبغى أن يحلّ بالتفاهم والتراضى، وأمّا إذا استحكمت المشاكل إلى الدرجة التى لم يعد فيها الزوجان قادرين على حلّها حلَّا مرضيًّا، فقد أرشدنا القرآن الكريم إلى حل أخير فى حالة حدوث خلاف بين الزوجين من المحتمل أن ينهى العلاقة بينهما، وهو الإصلاح بين الزوجين عن طريق الحكمين، فقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إصلاحا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء: 35)، والمعنى: وإن علمتم خلافًا بين الزوجين يؤدى إلى الفراق، وسمى الخلاف شقاقًا لأن المخالف يفعل ما يشق على صاحبه، أو لأن كل واحد من الزوجين صار فى شق وجانب غير الذى فيه صاحبه، فأرسلوا إليهما حكمًا عدلًا من أهل الزوج، وحكمًا عدلًا من أهل الزوجة؛ لينظرا ويستكشفا حقيقة الخلاف، ويحكما بما فيه المصلحة لهما، والحكيم هو من ينظر إلى الطلاق باعتباره الكى المؤلم الذى يضطر إليه المريض؛ فعقلاء العرب قالوا: «آخر الدواء الكيّ» وقبل التفكير فى هذا الكى لابد من استنفاد جميع الوسائل الممكنة، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إِن كره منها خلقًا رضى منها آخر» (رواه مسلم)، أى لا يبغض الرجل زوجته لأنها أساءت فى خلق واحد، بل يقارن إن كره خلقًا منها رضى منها خلقًا آخر، والشيطان يفرح بطلاق الزوجين ويتربص بهما حتى يفرقهما؛ فعن جابر بن عبدالله الأنصارى رضى الله عنه، أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «إنَّ إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول ما صنعت شيئًا، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت» (رواه مسلم).

وختامًا.. إذا استنفدنا كل هذه المراحل، فلم يعُد بينهما سكن ولا مودّة، ولا حتى يرحم أحدهما صاحبه فقد استحالت بينهما العِشرة، فقد أصبح من الحكمة مفارقة أحدهما للآخر، وهنا شرع الحق سبحانه الطلاق ليكون حلًا لمثل هذه الحالات، ومع ذلك جعله الله أبغض الحلال، حتى لا نقدم عليه إلاّ مُضطرِّين مُجبرين، وإِذا كان الطلاق قد تم لأسباب ضرورية قاهرة فلا ينبغى أن يكون قاطعًا لروابط المصاهرة؛ فلا تنسوا الفضل بينكم حتى لا يذهب المعروف والفضل بين الناس.