عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بهدوء

 

 

 

مع نهاية العام الماضى، ومطلع هذا العام انتشر بشكل واضح ظاهرة فتح المندل، وقراءة الطالع على القنوات الرسمية، وفى فيديوهات اليوتيوب التى ازدهرت هذه الأيام بكثافة، وتفنن العرافون فى الحديث عما تحمله أوراق الكوتشينة والتارو، وقراءة الفنجان للأبراج، وتوقع الأحداث السياسية والاجتماعية للأنظمة والشعوب فى المنطقة العربية، فما هى الأصول الثقافية للظاهرة، وما هى الأسباب التى تقف وراء زيادة التوجه نحو هذه الظاهرة؟

إن هذه الظاهرة التى تبدو فى ظاهرها من وسائل الترفيه، والشغف بمعرفة المستقبل يبدو أن لها من الأسباب الباطنة من الأهمية ما هو أعمق من الأسباب الظاهرة، فالمجتمعات العربية يحركها الغيبى عبر الدين فى توجيه بعض مسارات حياتها اليومية، وتؤثر معتقدات الغيب فى حركة الاجتماع بشكل كبير، ومن هذا المنطلق أصبح الغيبى مؤثرًا فى العقل الجمعى، وكان شغف هذا العقل باستشراف آفاق المستقبل، ومن هنا يمكن أن نفسر الظاهرة من خلال عناية الثقافة العربية بعلوم السحر والتنجيم، والتأليف فى علوم الفراسة، وتوظيف دلالات الأفلاك والرموز والأعداد فى تفسير أحداث العالم، ولهذا ألف العديد من الفقهاء والعلماء رسائل فى هذا المجال، ومنهم أبو حامد الغزالى، والفخر الرازى، وابن عربى وغيرهم، كما ازدهر عملية تأليف الكتب الخاصة بالفلاكة والفلاكون، فكان السحر والتنجيم فاعلًا فى رؤية العالم عند القدماء عامة، وفى رؤية العالم عند الشيعة والصوفية خاصة، ويقال إن السلاطين كانوا يُحضرون العرافين لمعرفة طالع الأفلاك قبل ذهابهم إلى المعارك والغزوات، وتوقع النصر من عدمه.

ومن جانب آخر يلجأ العوام إلى فتح المندل بحثًا عن الأمل الغائب فى حياتهم، أو بحثًا عن بشرى منتظرة فى مواجهة الأزمات والمحن، أو التماس واسطة العراف بحثًا عن يقين حينما يغيب اليقين لدى الإنسان، او استشراف الغيب نتيجة للخوف من الغد، وبالمقابل يلجأ الأغنياء والمترفون والسياسيون إلى فتح المندل إما للترفيه والتسلية، أو للإيمان الحقيقى بملكية بعض الأفراد القدرة على قراءة الغيب، ولذا كان للعرافة والسحر دور كبير فى حياة المجتمع بكل طبقاته، ويعد اللجوء إلى فتح المندل هو نمط من التفكير الغيبى الأسطورى.

ومع التقدم العلمى الذى أحدثته الحضارة الغربية فى مجال العلوم أصبح ينظر لاستمرار هذه الظاهرة على أنه شكل من أشكال أنماط التفكير المتخلف الذى يتطلع إلى قراءة المستقبل عبر هذه الظاهرة، وذلك على الرغم من انتشارها فى أوروبا فى العصر الوسيط حيث كان يسود التفكير الأسطورى ملازما لسيادة الفكر الدينى الغيبى، ولكن مع انتشار الفكر العقلانى وتقدم العلم بدأت أوروبا ترتقى بهما، وهو ما أدى إلى تراجع الأسطورة والسحر والتنجيم أمام حركة التقدم العلمى، وكلما ارتقت مقدرة العلم اتسع دوره فى السيطرة على حركة الطبيعة والتحكم فيها كما بدأت مراكز العلم فى الغرب تؤسس لقراءة المستقبل بناء على خطط مدروسة تضعها المجتمعات المتقدمة وفقا للمعارف المتاحة، والامكانيات المادية، وحركة تقدم العلم، وأسست علوم المستقبل حتى يستطيع المجتمع المتحضر تقديم قراءة مستقبلية لأحواله، ولا يعول فى مجتمعات الغرب على قراءة الطالع وفتح المندل، لأن العقل البشرى قطع شوطًا كبيرًا فى الكشف عن المساحات الكبيرة المجهولة التى كان يقف العقل البشرى عاجزًا أمامها فى السابق، وكلما حقق العلم التقدم فى مجلات مختلفة كلما اتسعت الرؤية العقلانية ورسخت جذورها، وأصبحت رؤية العالم تؤسس على العلم والعقل بديلا عن السحر والتنجيم والسيمياء والأسطورة كرؤية العالم.

ولكن بما نفسر انتشار التعلق بظاهرة فتح المندل هذه الأيام، هل هذا يعود إلى بحث الناس عن الأمل متى انقطع ذلك الأمل فى الواقع أم أن السبب فى ذلك عدم مقدرة العقل الجمعى التخلص من هذه الظاهرة نتيجة غياب العلم والعقلانية، أم أن إرث الثقافة التقليدية مازال مسيطرا فى كافة مجالات الحياة، الأمر فى حاجة إلى مزيد من دراسة الظاهرة من الناحية النفسية والسيسيولوجية.