رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

من أهم المكونات التى تميزُ الإنسانَ وتجعله مستحقًا للاستخلاف فى الأرض ومؤهلًا لصناعة الحضارة، «تحمل المسئولية وحسن القيام بها»، ويبدأ ذلك بحسن فهم هذه القيمة العظيمة، التى نراها ظاهرةً فى كل من كان له أثر عظيم فى أمته، ووطنه، وأسرته، وسائر دوائر الحياة الإنسانية، فالأنبياءُ صلوات ربى وسلامه عليهم أجمعين كانوا خير مثلٍ وقدوةٍ فى الاتصاف بتحمل مسئولية دعوةِ الحقِّ والحرص على تبليغها للناس، ولم يألوا جهدًا فى سبيل غرس «تحمل المسئولية وحسن القيام بها» فى نفوس من حولهم، فقضية التوحيد مسئولية كبيرة يجب لفت العقول والقلوب إليها، ليتحمل كل فرد من البشر مسئولية قراره بإيمانه أو كفره، وطاعته أو معصيته، إنها المسئولية التى خلق اللهُ الثقلين من أجلها، والتى سيسألُ الجميع عليها يوم الدين، فهى التى يتفرع عنها سائر معانى تحمل المسئولية، قال تعالى: «فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ» (الأعراف: 6).

وهذا نبى الله يوسف عليه السلام تتجلى فيه صفة «تحمل المسئولية وحسن القيام بها» حين علم ما تنتظره مصر من سنين عجاف، ولم يمنعه ما لاقاه من الأذى فى السجن من أن يبادر بتشخيص الحال ووصف العلاج، ولما كلمه الملكُ وعرف له قدره لم يضن بعلمه وخبرته وتحمل مسئولية مواجهة السنين العجاف، وقد صور لنا القرآنُ الكريم هذا المشهد الرائع فى هاتين الآيتين الكريمتين: «وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ» (يوسف: 54، 55)، لنتعلمَ من هذا أن نفوسَ الكبار توّاقة ٌدائما إلى تحمل المسئوليات والتغلب على صعوباتها، رغبةً فى تحقيق الاستخلاف الذى خلقنا الله تعالى من أجله، كما نتعلم أن تحمّلَ المسئولية ليست أمانى مجردةً عن الأخلاق الجميلة، والخبرات العميقة، والمعارف الدقيقة، لتحقيق التأهل الذى يمكّن صاحبه من وضع الخطط والاستراتيجيات الصحيحة الموصلة للنجاح المنشود؛ كما كان من سيدنا يوسف عليه السلام، فأنقذ مصر وأهلها من هذا الخطر الداهم.

وفى ضوء هذا المبدأ انطلق العظماءُ فى كل مناحى الحياة ينظرون إلى الواقع الذى يعيشون فيه، ويبحثون عمّا يجب فعله لإصلاحه وتعميره وتطويره، تنفيذًا لقوله: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».

وهذا سيدنا عمر بن الخطاب يقدم نموذجًا صادقًا لتحمل المسئولية؛ حيث كان رضى الله عنه شديد الحرص على رعاية كل فرد فى الأمة فى أمور دينهم ودنياهم، فانطلق يضع النظم الضابطة المواكبة لتطور الدولة، فأنشأ الدواوين، وشدد على تحقيق العدل، فعلى الرُّغمِ من قرب عهده بزمن الحبيب المصطفى فقد اجتهد فى المستجدات التى طرأت على زمانه حتى ترك تراثًا فقهيًّا عظيمًا عُرف فيما بعد بالفقه العُمَريّ، وكل ذلك كان نابعًا من تمسكه بمبدأ تحمل المسئولية.

وفى تاريخ مصر الحديث نرى محمد على باشا ينهض بالدولة المصرية فى مختلف مجالات الحياة؛ حيث حرص على تحويل مصر إلى دولةٍ توازى أعظم الدول فى زمانه، فتحمل مسئولية إقامة صناعات كثيرة، وأنشأ الجيش والأسطول، وجلب إلى مصر الخبرات الكثيرة، حتى صارت للدولة ملامح جديدة تدل على قوتها وتطورها، وما ذلك إلا لمسئوليةٍ حرص على تحملها واجتهد فى سبيل تحقيقها.

وينتقل بنا الزمان إلى الأمام فى أرض الكنانة أيضًا حيث انتصارات السادس من أكتوبر سنة 1973، والتى جاءت نتيجةَ تحمل مسئوليةٍ ليست بالهيّنة، وتحدٍّ ليس باليسير، فكانت معجزةً عسكرية تُدرّسُ إلى اليوم، وانتصارًا للوطن والأمة، وصفعةً على وجه المعتدين تُذكّرُهم بعواقب التعدى على تراب الوطن، كان ذلك بفضل أبطالٍ آمنوا بمسئوليتهم تجاه الوطن، فتحملوها وأحسنوا القيام بها وأعدوا العدة رغم صعوبة الظروف ووعورة الطريق، حتى أضافوا إلى مسيرة الوطن وتطوره وعزته نصرًا عظيما يفخر به الأبناء والأحفاد.

وليس ببعيد عنا ما شهدناه من تلك المسئولية التى حقق المصريون فيها حلقة أخرى من حلقات الدفاع عن الوطن والحفاظ عليه من الانهيار حين خرجوا فى 30 يونيو 2013 فى وقت كانت الدول تنهار وتتساقط من حولنا فى مشاهد تقترن فيها مشاعر الحيرة والحزن معا، لقد خرج يومها شعب مصر متحملًا أكبر مسئولية لديه، وهى مسئولية الحفاظ على الوطن، ولبى رجال الجيش والشرطة نداء الشعب وتحملوا بدورهم مسئوليتهم بمواجهة محاولة إدخال الوطن فى مزالق الانهيار والفوضى، وبالحفاظ على مقدرات الشعب، والتى كانت سببًا أساسيًا فى النهوض مرة أخرى، والمضى قدما فى البناء والتعمير، والقضاء على كافة التهديدات داخليا وخارجيا، حتى دخلت مصر فى مرحلة الجمهورية الجديدة، والتى هى فى الحقيقة حضارة جديدة، وما ذلك إلا لتحمل أبناء هذا الوطن لأمانة تحمل المسئولية تجاه بلدهم الأمين.

ولا تزال الدولة المصرية بقيادتها الحكيمة وعزيمتها القوية محافظة على هذه الروح، والتى نرى معها كل يوم إنجازا حقيقيا فى طريق التعمير والبناء، من أجل تقدم هذا الوطن ورفعته، ولكى ترث الأجيال القادمة هذا المبدأ الذى هو سر النجاح والفلاح فى الدنيا والآخرة.

فهذه صفحات متنوعة من التاريخ القديم والحديث والمعاصر توضح لنا وجود صفة مشتركة بين كل من نجح فى تقديم شيء مفيد فى الحياة وهى صفة تحمل المسئولية، والعمل على تحويلها إلى واقع ينتفع الناس منه، والإنسان مكلف بالإصلاح والعمارة، قال تعالى: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»(هود: 61) ومكلف برعاية ما رزقه الله به، فالكل مسئول حسب موقعه ومرتبته، فقد قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِى أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِى مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِى مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

ولهذا فإن استمرار تقدم هذا الوطن وتطوره والحفاظ على ما تحققه الدولة الآن من إنجازات وما تقوم به من مجهودات لتوفير حياة كريمة لجموع الشعب المصرى مرتبط بأن يقوم كل فرد فى هذا الوطن بمسئوليته تجاه الجميع، فالمسئولية عن الوطن ليست لفرد أو لجهة، إنما تعود علينا جميعًا، كل فرد عليه مسئولية شخصية ثابتة لا تتعداه إلى غيره، فكلنا أمام الله تعالى مسئول. ومن هذا المنطلق أكد رئيس الجمهورية على أهمية تجديد الخطاب الدينى وبناء الوعى الرشيد، وذلك من خلال تضافر جهود كل الوزارات والمؤسسات المعنية.

--

رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ

نائب رئيس جامعة الأزهر لشئون التعليم والطلاب (السابق)