رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

فى البرنامج الإذاعى الشهير :»ألف ليلة وليلة»، العلامة البارزة فى شهور رمضان القديمة، قبل هيمنة ضجيح الفضائيات، تتألق شهرزاد وهى تحكى حكاياتها المثيرة للسلطان شهريار. إن لم يكن صوتها الخلاب هو السحر الذى لا يُقاوم، فأى شيء إذا يكون؟.

زوزو نبيل «1920-1996»، الجميلة المتمكنة صانعة الخيال المحلق والأحلام الوردية، المسلحة بالعذوبة الهامسة المدهشة، تقتحم عالم السينما مبكرا، وتقدم عشرات الأفلام خلال نصف قرن من العمل الدءوب. صحيح أن الأغلب الأعم من أدوارها هامشى محدود المساحة، ولا تنفرد بالبطولة أو تقترب منها، لكنها مذهلة فى التعبير العميق المدروس عن ملامح وسمات الشخصيات التى تجسدها، وتفرض على المشاهد الجاد أن يلتفت إليها وينتبه.

صديقة شادية فى «لحن الوفاء» نموذج متكرر للأدوار العادية فى مسيرة الفنانة القديرة.

لكن عمة أمينة فى «أنا حرة» شخصية مركبة، فهى تقليدية محافظة تدين بالولاء لمنظومة القيم الاجتماعية السائدة، ولا تقسو على ابنة أخيها من منطلق الشر الأصيل والكراهية. تعى زوزو أنها امرأة محكوم عليها بالخضوع للقطيع ورؤاه الموروثة، ويتراوح أداؤها بين الظاهر العنيف والحنان الكامن الذى تخفيه. تحولاتها اللافتة عبر مراحل تطور الشخصية لا ادعاء فيها أو تصنع، وصوتها الملون المعبر أداة مهمة للكشف عما يعتمل فى الأعماق من صراعات، وفى عينيها ما يغنى عن الكلام عند مواجهة المواقف المعقدة، أما المشاهد التى تجمعها بالعملاق حسين رياض فهى مبارزة تمثيلية رفيعة المستوى.

يختلف الأمر عند أم ياسين فى «بين القصرين»، ذلك أن الأمومة عند الشخصية التى يبدعها نجيب محفوظ لا تناقض الأنوثة، والمرأة القوية ترفض قهر زوجها الأول أحمد عبد الجواد وتتمرد على تسلطه، وصولا إلى الطلاق والحرمان من ابنها الوحيد الذى يرفض زيجاتها المتعددة، ويرى فيها إهانة لرجولته وكرامته. فى المواجهة الأولى بينهما بعد قطيعة طويلة، تبدو امرأة محبة للحياة دون إهمال لمشاعر الأمومة. فى صوتها فرحة ولهفة، وعتابها للابن لا ينم عن الضعف قدر تعبيره عن مزيج من الاحتجاج الهين ورغبة الغفران. ما أسرع وأروع تحولات وجهها عند معرفة الهدف من الزيارة، فعندئذ يطل صوت جديد مختلف، قوامه قسوة من يحارب للتشبث بحق الحياة والمتعة.

ما أكثر أدوار «الشريرة» المسكونة بالقسوة فى رحلة إبداع زوزو، ولعل الأهم فى التعبير عن هذا التوجه ما نجده فى «جريمة فى الحى الهادئ» و«الست الناظرة»، وأدوار غير قليلة فى المسلسلات التليفزيونية، ثم تصل إلى الفصل الأخير ذى المذاق المختلف: العجوز المرهقة ضحية البيروقراطية المصرية المتوحشة فى «مستر كاراتيه»، وسكينة أم منتصر فى «الهروب»، ولعله الدور الأعظم فى تاريخها الفنى عند الكثيرين من متابعى أفلامها.

مع عاطف الطيب، تبدو زوزو كأنها ولدت وعاشت العمر كله أما صعيدية مجبولة على قوة التحمل والصبر على المكاره ومواجهة أعتى المحن بإرادة لا تلين ولا تعرف المهادنة. تحترم ذكرى زوجها الراحل كأنه حى لم يمت، والعلاقة مع الابن معقدة كثيرة المفردات، ففيها الحب والخوف والانتصار للصمود الذى يعلى من شأن الكرامة. تتعرض للاعتقال فلا تجزع، ويعبر وجهها عن الدهشة دون الذعر.

تنهر زوجة ابنها عندما تهم بالصراخ والعويل، وتمسك كيس الدواء متجهة إلى سيارة الشرطة مرفوعة الرأس واثقة الخطى. بفعل الزمن الذى لا يرحم، تتغير الملامح الشكلية وتذبل الأنوثة، لكن صوتها العبقرى الساحر يقاوم غزو الزمن. فى ليالى رمضان، يغمض عشاقها أعينهم ويبحثون عن جمال نبراتها الخلابة وهى تقول فى ثقة من لا يعرف الخوف: «بلغنى أيها الملك السعيد».