رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

ليس ممثلا كوميديا سطحيا، ممن يعتمدون على المبالغة المبتذلة اللزجة واللوازم الفظة الفجة ثقيلة الظل، ذلك أن الكوميديا عنده «موقف» يمثل تحديا ينجح فيه دائما، كأنه يقول لمن يشاهدونه ويحسنون الظن به: اضحكوا يا أعزائى من جملة المشهد المركب الذى أشارك فيه، وليس لأننى أدغدغ لكم بطونكم حتى تفعلوا.

العدالة ليست ذات أثر فعال فى تحديد مكانة المبدعين فى مصر، ولو أنها كذلك ما تقدم على عبد المنعم إبراهيم «1924-1987» أدعياء مهرجون ماسخون بلا موهبة أو مذاق. فى الأغلب الأعم من أدواره السينمائية، يقوم بدور صديق البطل، السنيد التابع الذى يلازمه وينصحه ويشفق عليه ويصغى إليه فى اهتمام. المشكلة هنا ليست فى أن يكون الدور ثانويا قصيرا، فكم من عظماء التمثيل العالمى الذين يحصدون الجوائز بدور صغير، لكنها فى النمطية الحتمية بفعل التكوين الهامشى للشخصية، الذى لا يسمح بالكشف عن القدرة وتلوين الأداء.

يتألق عبد المنعم منفردا فى «سر طاقية الإخفاء»، ويتوهج أيضا فى «ثلث» الفيلم الذى يقوم ببطولته مع سميحة أيوب فى «إفلاس خاطبة»، عن قصة بالاسم نفسه للعظيم يحيى حقي، لكن بطولته الناجحة للفيلمين، بفاصل عشر سنوات تقريبا، لا تقوده إلى الحصول على بطولات أخرى، وتسيطر لعنة صديق البطل، حيث لا يحق للتابع أن يتفوق على من تُكتب الأفلام لهم. الأهمية لا تكمن فى الموهبة، لكنها فى إيرادات شباك التذاكر!.

عندما تتعانق براعته فى اللغة العربية مع موهبته الكوميدية الخارقة، يقدم أدوارا لا تُنسى فى «السفيرة عزيزة» و»إسماعيل يسن فى الأسطول» و»المراية»، حيث الشيخ الأزهرى المتأنق الذى يأبى إلا أن يتكلم بالفصحى، فإذا به يفجر سيلا عارما من الضحكات بلا ابتذال أو افتعال. الأمر نفسه عندما يتقن أداء دور الرجل المتخفى فى زى امرأة، كما هو الحال فى «سكر هانم»، أو البارع فى تقليد صوت هند رستم كأنه هند فى «إشاعة حب».

فى «عودة مواطن»، يصل الفنان القدير المتمكن إلى ذروة البساطة والعمق والإحساس الرفيع بالشخصية التى يجسدها، الخال الشيوعى علي، ويبرهن مجددا على أن البطولة الفعلية لا ينبغى أن تُقاس بالمساحة الزمنية، فهى رهينة فى المقام الأول بالأثر الذى يبقى بعد أن يغادر المشاهد مقعده فى السينما وينفرد بنفسه ويستدعى ما كان يعايشه قبل قليل، فإذا بصاحب المساحة الصغيرة هو الحاضر المستقر فى القلب.

بعد أن يتقدم به العمر، وتكسو الشيخوخة ملامح وجهه المريح البشوش، يجد عبد المنعم نفسه فى الدراما التليفزيونية، وتتسع الساحة لاستيعاب موهبته الثرية التى لم تفد منها السينما إلا قليلا. فى «زينب والعرش»، 1970، يقدم شخصية صالح الأخرس، أحد أهم الشخصيات التى يقدمها الروائى الكبير فتحى غانم فى عالمه الرحيب الذى يضم عشرات الشخصيات متقنة البناء، وفى منتصف الثمانينيات، بعد وفاة الفنان أحمد الجزيري، عم جعفر فى الجزء الأول من رائعة أسامة أنور عكاشة «الشهد والدموع»، تنتقل الراية إلى عبد المنعم فى الجزء الثاني، ويترك بصمته ولمسته فى التعايش المختلف مع أبعاد الشخصية، ثم يغادر العالم بدوره بعد عامين من عرض المسلسل.

لا تُعرض مسرحيات عبد المنعم التى قدمها فى الستينيات، ما يحول دون الأجيال الجديدة والاستمتاع بحضوره العبقرى فى «حلاق بغداد» و»عيلة الدوغري» و»سكة السلامة» و»معروف الإسكافي»، وغيرها من الروائع التى كتبها العمالقة ألفريد فرج ونعمان عاشور وسعد الدين وهبة.

لأن العدالة غائبة، لا يجد الممثل فريد الموهبة بعض ما يستحق من التكريم والاحتفاء، فى حياته وبعد غيابه. يرحمه ويرحمنا الله.