عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بهدوء

إن نشأة العلوم الإسلامية هى حاصل العلاقة الجدلية بين الدين وحركة الاجتماع، حيث ظهرت العلوم الدينية نتيجة تطور حركة الاجتماع بما استدعى وضع قواعد لأصول العلوم الدينية من أجل قراءة متجددة لمسار حركة الوحى فى التاريخ، ففى الحاجة لمعرفة معانى القرآن كان علم التفسير، وفى الحاجة لمعرفة أصول الاعتقاد تم تدشين علم العقائد (الكلام)، وفى الحاجة إلى ترسيخ كيفية وضع أصول إنتاج الأحكام تم تأسيس علم أصول الفقه، والحاجة إلى معرفة الأحكام الفقهية فكانت مدونات علم الفقه الإسلامى.

وفى ظل تطور علاقة الدين بالاجتماع، وتطور حركة المجتمع كانت العلوم الإسلامية بها جانب ثابت هو الشكل أو قوالب العلم المستقرة، وجانب متغير وهو تطور مضمون تلك العلوم نتيجة تطور حركة الاجتماع بما يعنى تجدد النظر فى هذه العلوم وفقًا للاحتياج الإنسانى المتجدد، فإن كان القدماء قد دشنوا لأصول العلوم الإسلامية من ناحية القوالب المستقرة، فإن مضمون هذه العلوم كان متجددًا بتجدد أحوال البشر واختلاف مشاربهم وبيئاتهم وزمانهم، وقد تجد العالم الواحد يغير اجتهاده إذا انتقل من بيئة إلى بيئة أخرى مختلفة.

ومن ثم لا يمكن من النظر إلى إلى الفكر الدينى الذى نتج عن هذه العلوم إلا من خلال السياق التاريخى والاجتماعى والسياسى الذى تشكلت فيه هذه المنتجات الفكرية، لأن هذ السياق الذى أنتجها متغير ومتطور باستمرار، ولذا لابد من ضرورة النظر إلى هذا السياق التاريخى إذا أردنا أن ندرس أو ننقل هذا الفكر أو نروجه، وذلك لأن التوجهات السلفية تسقط السياق التاريخى لتخلق هذه الأفكار، وتنظر إلى هذه الأفكار على أنها مجاوزة لسياقها التاريخى، وأنها قابلة للتطبيق فى المرحلة الراهن فى ظل عجزهم البين عن الاجتهاد وفقًا لتطور حركة الاجتماع، وبالمقابل فإن النخب العلمانية والليبرالية تدعو إلى تجاوز الفكر الدينى القديم كلية لأنه فكر تاريخى مقيد بزمانه ومكانه وبيئته التى نشأ فيها، وعبر عن احتياجاتها.

ولا يمكن بحال من الأحوال أن نقف عند حدود اجتهادات القدماء فى هذه العلوم لأن حركة الاجتماع متغيرة، وحركة الإنسان متطورة، وحركة المعارف والعلوم فى سيال دائم، ولا يمكن أن نجمد حركة الواقع والاجتماع لكى نلبسه قوالب القدماء الجامدة، فلهم زمانهم ولنا زماننا، ولهم واقعهم ولنا واقعنا المغاير، ولا يمكن سجن حركة الاجتماع بأحكام تقليدية قديمة، واجتهادات قديمة كانت مشروطة بشروطها التاريخية، التى تغيرت الآن عما كانت عليه.

ولاشك أن الحاجة إلى تجديد العلوم الإسلامية نابعة من تجدد الحاجة لاستمرار حضور الوحى فى حركة التاريخ والاجتماع، ولما كان الوحى ثابتًا والاجتماع متغيرًا فلا يمكن للوحى أن يستمر فى الحضور فى التأثير فى حركة الاجتماع إلا بتجديد النظر إليه فى مختلف مجالات العلوم الدينية، وما العلوم الإسلامية إلا تلك العلوم التى تصل الوحى بالواقع، وتصل الدين بحركة الاجتماع، وتصل الروحى بالزمنى فى مجتمعات يمثل الدين فيها مكانة مركزية كبيرة ومؤثرة فى مسار الاجتماع سلبًا وإيجابًا.

ومن هنا كانت جهود حركة الإصلاح والتجديد تسعى إلى تطوير النظر والتجديد فى مجال العلوم الإسلامية بما فرضه تجدد وتطور واقعهم الاجتماعى، ولم يكن هذا بالأمر الميسور ولا السهل فى بيئة راكدة جامدة لا تقبل التغيير، وترفض الاجتهاد فى الدين من خلال العقل والتفكير، ولذا يبدو طريق المجددين كأشبه بمن ينحت فى الصخر الصلب المستقر من أجل ترسيخ بناء جديد، ورؤية جديدة تساير حياة الناس واختلاف واقعهم وتغير واقع اجتماعهم.