هذه الكيدية الملعونة ، التى يحتج بها البرلمان دومًا ، على مدى تاريخ طويل ، عندما ينظر طلب رفع الحصانة ضد أحد السادة النواب ، ليرفع المجلس « كارت» الكيدية ، ويرفض طلب رفع الحصانة ، وعدم اتخاذ الاجراءات القانونية ضد العضو .
هذه الكيدية كشفت عنها السوابق البرلمانية بصورة مستفزة ، عندما تكون النيابة العامة هى طالبة رفع الحصانة تمهيدًا لإجراء التحقيقات الجنائية واتخاذ ما يلزم ، ولأن النيابة العامة هى شعبة من شعب القضاء ، وتتمتع بالاستقلال والحيدة ، وأنها الأمينة على الدعوى العمومية وممثلة للمجتمع ، فأنه لا يتصور أن يكون طلبها مشوبًا بالكيدية أو الانتقام أو التشفى من النائب ، أى نائب ، مهما كان شأنه لأنه فى البداية والنهاية نائبًا عن الأمة كلها ، بل ولا يجوز أن ينسب إلى النيابة العامة أن طلبها برفع الحصانة كاشف عن الكيدية .
< ولا="" أظن="" أن="" النيابة="" العامة="" ،="" وهى="" تطلب="" رفع="" الحصانة="" ألا="" يكون="" تحت="" يدها="" من="" الأدلة="" أو="" التحريات="" أو="" القرائن="" ،="" ما="" يكشف="" عن="" جدية="" الاتهام="" ،="" وأن="" الأمر="" يتطلب="" رفع="" الحصانة="" عن="" العضو="" لسماع="" أقواله="" ودفاعه="" فى="" مواجهة="" الاتهام="">
< كذلك="" لا="" أظن="" أن="" ذلك="" يأتى="" من="" النيابة="" العامة="" ،="" لمجرد="" تحريات="" أو="" بلاغات="" ملفقة="" أو="" شكلية="" ،="" لأن="" النيابة="" العامة="" تملك="" من="" السلطات="" ما="" يمكنها="" الأمر="" بإجراء="" التحريات="" وجمع="" الأدلة="" وسماع="" أقوال="" مجرى="" التحريات="" ،="" ولها="" سلطة="" التقدير="" حتى="" تتأكد="" من="" الجدية="" ،="" ولها="" أيضًا="" أن="" تطلب="" الأوراق="" والمستندات="" قبل="" سماع="" أقوال="" ودفاع="" المتهم="">
< وتأتى="" حصافة="" البرلمان="" وفطنته="" ،="" بألا="" يغلق="" الباب="" أمام="" النيابة="" العامة="" أو="" سلطة="" القضاء="" فى="" إجراء="" التحقيقات="" وسماع="" أقوال="" المتهم="" ،="" وأن="" يكون="" ذلك="" علنًا="" أمام="" الرأى="" العام="" ،="" لأن="" ذلك="" يجعل="" البرلمان="" محل="" مساءلة="" أمام="" الرأى="" العام="" فى="" تحصين="" نائب="" الشعب="" ظالمًا="" أو="" مظلومًا="" ..="" فتظل="" الحقائق="" غائبة="" عن="" الشعب="" ،="" وهو="" صاحب="" السيادة="" ومصدر="" كل="" السلطات="" ،="" ويمكن="" أن="" تأتى="" حصافة="" البرلمان="" وفطنته="" إذا="" ما="" سمح="" برفع="" الحصانة="" ولو="" جزئيًا="" بسماع="" أقوال="" العضو="" أمام="" النيابة="" للتحقق="" من="" جدية="" الاتهام="" أو="" كيديته="" ،="" ويسع="" النيابة="" نفسها="" إذا="" ما="" تأكدت="" من="" الكيدية="" أن="" تكتفى="" بهذا="" القدر="" ،="" وتأمر="" بحفظ="" الأوراق="" ،="" وعندئذ="" تتضح="" الحقيقة="" أمام="" النيابة="" العامة="" وأمام="" البرلمان="" وأمام="" الشعب="" كله="" ،="" لأنه="" لا="" حماية="" ولا="" حصانة="" لمخلوق="" ،="" إلا="" بالحق="" والعدل="" ،="" ولا="" أحد="" فوق="" القانون="">
< وفى="" تاريخ="" التقاليد="" البرلمانية="" مواقف="" لمجلس="" الشيوخ="" والنواب="" فى="" ظل="" دستور="" 1923="" وما="" بعدها="" ،="" حيث="" كانت="" نصوص="" الحصانة="" البرلمانية="" لأعضاء="" البرلمان="" كما="" هى="" ،="" لكن="" مواقف="" البرلمان="" ..="" وكذلك="" مواقف="" النواب="" كانت="" مختلفة="">
فكان معنى الكيدية مثلًا لدى البرلمان ، أنها تتحقق ، عندما يكون النائب مستهدفًا من جانب الحكومة لمواقفه المعارضة ، وصوته الجسور تحت القبة ، عندئذ تكيد له الحكومة وتدبر له أمرًا لتختطفه من تحت القبة ، كما كان موقف البرلمان مدويًا بالموافقة على رفع الحصانة لأنه إذا كان العضو لم يحافظ على كرامته ولا على كرامة المجلس الذى ينتمى إليه فلا يُطلب من المجلس أن يحافظ عليها ، لهذا كان يوافق على رفع الحصانة والحماية ، وكان النواب إذا قدم ضد أى منهم شكوى ولو كيدية ، فإنه يسارع إلى طلب رفع الحصانة عن نفسه لسماع أقواله أمام سلطة التحقيق ليكشف براءة ساحته ، لأنه ذاهب ويسارع بالذهاب إلى سراى العدالة.
ومن يريد المزيد ، يمكنه أن يطلع على تلك المواقف البرلمانية القديمة التى جرت تحت القبة وأصبحت من التقاليد البرلمانية المصرية ، وكاتب هذا المقال يكتب عن حصانة النواب حكمتها وفلسفتها ، منذ ربع قرن من الزمان ، وتحديدًا فى مقال نشر بجريدة الأهرام فى 10 يناير 1996 وما بعدها .
فهل حضرات مجالس النواب والسادة الأعضاء يراجعون أنفسهم ، ويرجعون إلى احياء تلك الثوابت البرلمانية القديمة .. ويرفعون الحرج عن البرلمان .. وعن النيابة العامة .. وأن يرفعوا الكيدية من قاموس المجلس ، ويفتحوا الأبواب أمام استجلاء الحقائق والاتهامات أمام الرأى العام ، عندما يكون الاتهام وطلب رفع الحصانة من النائب العام .. أى من السلطات القضائية أو الجهات القضائية الأخرى ،.. أم ماذا ؟!