عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بهدوء

فى مشهد تاريخى مَثُل شيخ السلفية حسين يعقوب أمام المحكمة، لتكون معظم إجاباته عن الأسئلة التى طرحها عليه القاضى النبيل الواعى أنه لا يدرى، واستطاع القاضى بحنكته أن يعرى شيخ السلفية أمام أتباعه فى محاكمة سوف يحفظها ذاكرة التاريخ، تنكر الرجل لكل ما هو مسجل له فى تاريخ سابق على اليوتيوب، تنكر من فتاويه، وتنكر من الإخوان، واتهمهم بأنهم طلاب سلطة، وتنكر من الوهابية التى تعايش عليها ومنها هو وأصحابه، وتنكر من خوضه فى السياسة وهو صاحب عبارة (غزوة الصناديق)، أنكر معرفته بداعش وأنصار بيت المقدس، ونفى عن نفسه أن خطبه مسئولة مسئولية مباشرة عما فعله الشباب القابع فى القفص، غرر بهم هو وغيره وحين جاء وقت الحساب تنصل من المسئولية أمامهم.

قال الشيخ عبارة واعية إنه مسئول عن دعوة العوام فى التيار السلفى، ومحمد حسان مسئول عن الملتزمين دينيًا، والحوينى مختص بتعليم طلاب العلم، وما أخطر العبارة بأنه مسئول عن العوام الشريحة العريضة فى المجتمع التى يمكن توجيهها بسهولة وتشكيل وعيها، وأن رسالته ابعادهم عن جهنم، فإذا به يُودى بالشباب إلى الهلاك، وحين سئل عن اطلاعه على تراث ابن حنبل وابن تيمية، رد بأنه انتقائى فى الأخذ عنهم، نعم كان انتقائيًا فى أخذ فتاوى التكفير، والتشدد وإقصاء الآخر المختلف عنه فى المذهب، والمختلف عنه فى الدين.

خلع الشيخ عباءته السلفية، وعجز عن الدفاع عن نفسه وعن تاريخه، وعن دوره المجيد فى التغرير بشباب مصر على مدار أكثر من أربعين عامًا، ولكن الذى حدث يدعونا للتساؤل كيف كان هؤلاء الشيوخ وأين أصبحوا الآن؟ إن هذا التساؤل يدعونا إلى القول إن أمراء الدعوة السلفية الذين كانوا نجومًا حين فتح الرئيس السادات المجال العام لهؤلاء الجماعات ليضرب بهم التيارات الناصرية واليسارية فى مصر فانتهى به الأمر إلى قتله، ومع تراكم الزمن والدعم الخليجى لهذا التيار أصبحوا نجومًا يركبون السيارات الفارهة، ويسكنون القصور، ويؤسسون قنوات فضائية، ويروجون لتعدد الزوجات، وأن على أتباعهم أن يقتدوا بسنتهم فى مسألة تعدد الزواج، ويدعون لفرضية الحجاب ويكفرون الغرب الذى يتنعمون بمنتجات حضارته.

تغير الزمان وسقط الإخوان من على كراسى السلطة فى عام 2013، وإذا بالإرهاب ينتشر فى ربوع مصر فى الشرق والغرب، فى الصحراء والعمران، وإذا بأبنائنا من رجال الجيش والشرطة يقدمون أرواحهم فداء للوطن، تغير الزمان وانكشف عرى هؤلاء الجماعات وعنفهم ضد أبناء وطنهم، ودفعت مصر ثمنًا باهظًا بسبب هذا الإرهاب، ولأننا الآن فى زمن إدانة هذه، فالكل يتنصل من انتمائه، الإخوانى ينفى عن نفسه انتمائه، والسلفى ينكر سلفيته، والشيخ يتنصل مما ارتكبه على مدار نصف قرن مضى، ماذا حدث ليتحللوا من تاريخهم، ومما ارتكبوه فى حق هذا الشعب؟

إن الأمر ببساطة أن السلطة التى تركتهم بالأمس يسيطرون على المجال الدينى على مدار نصف قرن قد تغيرت وجاءت السلطة الحالية لتحاصرهم وتغلق أمامهم المجال العام، وتكشف إرهابهم وكذبهم وخداعهم، وبات ما كانوا يفخرون به بالأمس يتنصلون منه اليوم، وهنا لابد أن نصدق بأن السياسى الذى وظفهم بالأمس تغير موقفه اليوم وحاصرهم، ونحن اليوم إذ ننظر لمشهد الشيخ التاريخى لابد أن نكون واعين بأن السياسى هو الذى يحرك الدينى سلبًا وايجابًا، قبولًا أو رفضًا، فخلف الممارسة الدينية يقف التوجيه السياسى له.

وبات السلطة والمجتمع الآن بكل مؤسساته الدينية والتعليمية والإعلامية مطالبين الآن بإزالة أثر هؤلاء فى عقول شباب الأمة، وإعادة إنتاج الوعى البناء لا السلوك الهدام، وإرساء قيم التسامح وفقه الاختلاف والتعايش بديلًا عن التعصب والعنف والتطاحن، إن مصر اليوم وهى فى مرحلة البناء والعمران فى حاجة للتخلص من الآثار المدمرة لهذا الفكر الهدام.