عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بهدوء

بعد فترة من الانقطاع طويلة لعدم بروز أسماء مصرية فى جائزة الشيخ زايد فى فرع التنمية والدولة، حصد الدكتور سعيد المصرى الجائزة هذا العام عن كتابه (تراث الاستعلاء بين الفلكلور والمجال الدينى)، والحقيقة أنى قرأت الكتاب منذ عام ونصف العام، وكنت شديد الإعجاب به، لما يتمتع به من مكاشفة للآفات العميقة الموجودة فى تراثنا الثقافى والدينى، وأثر ذلك فى حياتنا اليومية، أن ذلك الكتاب هو تاج على رأس صاحبه، فليس العبرة بكثرة الكتب، ولكن العبرة بنوعية الكتب وتأثيرها؟

وتكمن أهمية كتاب تراث الاستعلاء فى أنه يكشف عن صور الاستعلاء فى التراث الشعبى (الفلكلور) معتمدًا على تحليلات الأنثروبولوجية الثقافية، حيث كشف عن مجموعة من الصور النمطية القائمة على التمييز الثقافى، والمصاحبة لكافة مظاهر التباينات الاجتماعية المتعددة، مثل التمييز ضد المرأة: حيث يرى سعيد المصرى أن التراث الشعبى بقيمه السائدة، يلعب دورًا كبيرًا فى تشكيل الهوية النوعية، وترمز الذكورة فى التراث الشعبى إلى القوة والحيوية والجرأة والشجاعة والحرية، وفى المقابل ترمز الأنوثة إلى معانى الضعف والاستكانة والحياء والخنوع، بالإضافة إلى الأوصاف السلبية للمرأة، وهو ما يعنى أن هذا التراث يقلل من شأن المرأة، ويعزز استبعادها من فرص الحياة،

وهناك تفضيل لكبار السن والنظرة الدونية للشباب: حيث يُكرس هذا التراث التمييز لكبار السن على حساب الشباب، ووجود النظرة الطبقية والعنصرية والتمييز بحسب المكانة واللون والنسب والانتماء، ويرسخ التراث الثقافى للنظرة الطبقية ومعتقدات اللاعدل التى تتجلى فى تصورات ومعتقدات شعبية وصور نمطية شائعة فى الأدب الشعبى مثل: «الناس مقامات» و«مش كل الطير اللى يتاكل لحمه»، بما يعنى أن الناس ليسوا سواسية، كما يشمل التراث التمييز بين الغنى والفقير، وتفاوت المكانة بموجب الانتساب العائلى، ويكشف سعيد المصرى عن صور التعصب الدينى والاستعلاء بالدين على نحو متبادل فيما بين المختلفين دينيًا، وهناك تصورات سلبية فى التراث الشعبى المصرى تصف اليهود والمسيحيين بأوصاف سلبية، وفى المقابل تنمو تصورات سلبية تعصبية لدى اليهود والمسيحيين نحو المسلمين.

ويرسخ التراث الثقافى النظرة الدونية للإعاقة، حيث يفيض التراث الشعبى بصورً ذهنية لا حصر لها بشأن النظرة الدونية للمعاق، ففاقد البصر (أعمى) ومن يرى بعين واحدة (أعور)، و(الأحول) من تنحرف أحد عينيه، وذو النظر الضعيف يطلق عليه «أعمش» والمريض النفسى «السرايا الصفراء»، وهنا يبدو واضحًا كيف يترسخ الاستعلاء فى تراثنا الثقافى.

ويكشف سعيد المصرى عن تراث الاستعلاء فى المجال الدينى فيبرز الصورة المتخيلة للمجتمع المسلم المثالى التى ترسخها جماعات العنف مخاطبين الناس بالعاطفة والرومانسية كسبيل للسيطرة عليهم بدعوى الحلم بهذا المجتمع المتخيل، وقد اتخذت كل حركة من الحركات الإسلامية منه سبيلًا لتحقيق الهدف المنشود، وتحويل المتخيل إلى واقع على الأرض، وذلك عبر آليات ومسارات مختلفة حسب كل تيار، حيث يتجه التيار الجهادى لاستخدام العنف كأداة لتغيير للمجتمع الجاهلى كما يرون، ويتجه التيار السلفى إلى استخدام سبيل الدعوى إلى الله وتوحيده، وإعداد الدعاة ونشر العقيدة، وبناء السلوك الإسلامى القويم، فى حين يتجه الإخوان المسلمين إلى طريق الإصلاح القائم على نظرة استعلائية ضد المجتمع، حيث يقول لهم حسن البنا أنتم الغرباء الذين يصحون عند فساد الناس، وأنكم العقل الجديد الذى يريد الله أن يفرق به بين الحق والباطل، وحملة القرآن، وصلة الأرض بالسماء، وورثة محمد وخلفاء صحابته، وهنا يتضح مدى الروح الاستعلائية فى كلام البنا لأتباعه فهم الصفوة المختارة المطلوب منها هداية المجتمع الذى يسوده الجهل والضلال، والكتاب متخم بالأفكار المتميزة، والمعالجة الجيدة لها، ويحتاج إلى مناقشة ومزيد من الكتابة عنه.

خلاصة القول إن كتاب (تراث الاستعلاء) للدكتور سعيد المصرى، قد منح المدرسة السوسيولوجية المصرية دعمًا جديدًا، وحصوله على جائزة زايد رسالة لكل كاتب أو مفكر مصرى بأن هذا الوطن لا يمكن أن ينضب، وأنه كان وسيظل معينًا خصبًا للإبداع المستمر، مبروك لمصر، ولسعيد المصرى.