عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بهدوء

 

 

يكشف النظر إلى الحياة الإنسانية فيما قبل الإنترنت وما بعده عن حجم التغيرات الرهيبة التى لحقت بحياة الإنسان وكيف أعاد الإنترنت تشكيل الحياة الإنسانية.

كان تأثير الإنترنت على حياة الإنسان تأثيرًا كبيرًا وفاعلًا، فاستطاع أن يكسر حاجز الزمان والمكان بالنسبة للإنسان، فكسر حاجز المكان بأن جعل العالم المترامى الأطراف قرية شديدة الصغر، يمكن فيها الوصل بين مختلف البشر رغم اختلاف أجناسهم وثقافاتهم وألوانهم ولغاتهم، وأصبح للفضاء الافتراضى السائل واقعًا حقيقيًا مشكلًا لوجود الإنسان الواقعى على كافة المستويات، وكسر حاجز الزمان بمقدرته على تخزين ذاكرة للماضى، وتنظيم اللحظة الحاضرة، واستشراف وتوقع اللحظة المستقبلية.

واستطاع الانترنت أن يصنع وفرة لا متناهية فى تحصيل المعرفة، وخلق حالة من السيولة فائقة فى المعلومات، وأسس للأنظمة التى تدير حركة البشر فى الواقع، وتدير المؤسسات، وأنظمة التسليح، وحركة التجارة فى العالم، وتخزين الأرشيفات والمعاملات الخاصة بالمؤسسات، ليكون لكل مؤسسة ذاكرتها، التى يمكن توظيفها فى تطوير هذه المؤسسات.

وكان من أهم وأخطر ميزات الإنترنت هو حق كل إنسان فى التعبير عن نفسه، وهوما سمح فى بعض المجتمعات المغلقة، أن ترى الأنظمة الحاكمة توجهات الناس عبره ومن خلاله، وترى حقيقة موقفهم بعيدًا عن الإعلام الموجه الذى تقوم هى بتوجيهه وفقًا لما تريده هى، وليس وفقًا لعرض الحقائق كما هى فى الواقع.

وأصبح الإنترنت منصة لكافة التوجهات الفكرية والثقافية والعلمية لكى تعبر عن نفسها، وأن يكون منصة للمعارك الفكرية والثقافية بين هذه التوجهات، وكسر سطوة الصحافة الورقية، وتحول كل ما هو ورقى إلى الكترونى رقمى، وأصبح الإنترنت صاحب السطوة والسيطرة فى عرض مختلف الجوانب الثقافية، وبات لبعض الأفراد على شبكة الإنترنت أن تكون لصفحاتهم تأثير أكبر من مؤسسات صحفية بكاملها.

قد نستطيع أن نعدد ميزات الإنترنت إلى ما لا نهاية، ولكن هذا لا ينفى مدى الآثار الوخيمة للإنترنت على الحياة الإنسانية، ولعل أهم تلك الآثار السلبية أنه حطم حق الفرد فى الخصوصية الذاتية، وكسر خصوصية المجتمعات، فأصبح الإنترنت أداة المراقبة لحياة الفرد، وتحركاته، وتوجهاته، وآرائه، وبقدر ما كان الإنترنت فضاء للحرية بقدر ما هو غل وقيد للمراقبة وتعرية الخصوصية الفردية، وإذا كان من نتائجه الإيجابية الانفتاح على الثقافات والأديان المغايرة فإن الإنترنت استطاع أن يحدث تصدعًا فى العقائد والعادات والتقاليد وثوابت الهوية لبعض المجتمعات، وأن يحدث تغييرًا جذريًا فيما كان مستقرًا وثابتًا عبر التاريخ لبعض الأمم.

وتحول الإنترنت إلى غول مستبد يبتلع الحياة الفردية للشخص، بل وسيتبلع الحياة الاجتماعية لمجتمعات بكاملها، ومن سيتحكم فى شبكات الإنترنت فى المستقبل سيكون له الحق فى التحكم فى خريطة العالم بكامله، وسيتحكم فى حركة الاقتصاد بصورة كاملة، لأن شبكات الإنترنت بها كل مصادر المعارف التى يبنى عليها القرارات، والآن هناك شركات عالمية فى الصين وأمريكا تتجه لنقل شبكات الإنترنت من الكابلات الأرضية إلى الإنترنت الفضائى عبر الأقمار الصناعية، وسيكون الإنترنت متاحًا لجميع البشر فى العالم، وهذا سيحدث مزيدًا من التغيير الذى سيتم فيه التحكم فى حياة البشر الخاصة والعامة بدقة كبيرة، وسوف يقود العالم مجموعة من الأفراد القلائل الذين يتحكمون فى الحياة على كوكب الأرض، وسيملكون أدوات القهر والتحكم والسيطرة والمراقبة، وتقييد الحريات، ساعتها سوف نجد من يمجد العودة للحياة البدائية، وسوف تتعالى صيحات شبيهة بصيحات روسو الفيلسوف الفرنسى بالعودة إلى الحياة البدائية، والطبيعة،والفطرة الأولى، إننا أمام إشكالية كبيرة تجعلنا نتساءل عن حقيقة علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، وآثارها السلبية على الحياة الإنسانية؟