عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بهدوء

أنظر إلى الزرع فى ربوع مصر وأتساءل: هل سيظل النيل يجرى لتستمر الحياة؟ أتناول شربة الماء وأتساءل: هل سأجد صعوبة فى الغد فى الحصول على الماء؟ حيرة وترقب وقلق من الغد المجهول الذى يهدد الحياة على أرض مصر، فمصر عبر تاريخها هى هبة النيل، وما الحياة فيها إلا ماء النيل الذى ينساب فى الوادى لينمو الزرع والحرث والنسل فى بلد قامت على الزراعة.

فى يوم من تاريخنا القديم حلم النبى يوسف بالسنوات السبع العجاف التى سيجف فيها النيل، فخزن الحبوب والماء لتكفى مصر هذه السنوات، وليحمى مصر من المجاعة، وحين جف النيل لسنوات سبع عجاف فى عهد المستنصر بالله الفاطمى فى النصف الثانى من القرن الخامس الهجري، حدثت الشدة المستنصرية ليهلك الزرع والحرث والحيوان والإنسان، فأكل المصريون كل شيء حتى الحمير، وذبحوا بعضهم البعض ليأكلوا لحم البشر، وباع الناس بيوتهم من أجل حفنة دقيق، ويسطر التاريخ لنا وصفًا دقيقًا لمأساة الشدة المستنصرية.

وكما حمل النيل الخير لنا فقد حمل لنا الأمراض حيث جاء لنا بالكوليرا والطاعون من أفريقيا عبر مائه، كما أهلكت الفيضانات الزرع وأغرقت البشر، وفى كل الأحوال فالمصريون يعشقون النيل لأنه شريان الحياة ومنبع الوجود لمصر الحضارة والتاريخ، ومهما جاء منه من أضرار وأعراض جانبية.

كان المصريون عبر تاريخهم يدركون أن أمن مصر القومى يتركز حول تأمين المياه من منابع النيل، وفى تاريخهم الحديث أدركت الأسرة العلوية أهمية وخطورة ذلك فسيطرت على السودان، وأرسل الخديوى اسماعيل حملة لاحتلال إثيوبيا ولكنها فشلت، وبعد انفصال السودان عن مصر فى العصر الحديث كان تأثير مصر فى إفريقيا عظيمًا، وكان لكاريزما عبدالناصر دور كبير فى تحرير بلاد إفريقيا من الاستعمار وحين كانت الدولة المصرية قوية فى عهد حسنى مبارك لم تجرؤ اثيوبيا على بناء السد، ولم تفعل ذلك إلا فى فترة ضعف الدولة المصرية فى نهاية عصر مبارك، وفترة غياب الدولة فى أحداث 25 يناير،3 يونيو، وبعد عودة الدولة الآن وتحديث الجيش أصبح السد أمرًا واقعًا.

واليوم نتطلع حائرين ماذا يحمل الغد لنا؟ وماذا سنفعل مع أزمة سد النهضة الذى تقيمه إثيوبيا، ونحن فى مرحلة الملء الثاني؟ إن اثيوبيا الدولة المفككة قوميًا إثنيًّا وعرقيًّا ودينيًّا وطائفيًّا، الدولة صاحبة المشاكل الكثيرة لا تتحرك بمفردها، ولكن هناك دول وقوى هى التى تعبث بمنابع النيل، وتدعم إثيوبيا لكسر شوكة مصر، وتتحكم فى قرارها السياسى.

ونقف اليوم فى قلق وترقب ونحن نرى القيادة المصرية أجادت كثيرا حين لم تورط الجيش المصرى فى اليمن، وفى سوريا، وكانت حكيمة فى معالجتها للمشكلة الليبية، ولم تندفع نحو خيار القوة، ولابد اليوم أن نصطف وراء القيادة والجيش، واثقين فى وطنيتهم وفى حرصهم على مصر، وعلى حقوقها التاريخية فى مياه النيل، وأن الجيش المصرى هو الدرع الحامية لمصر الجغرافيا والتاريخ على مدار الزمن منذ القدم وإلى الآن، وأن كافة الخيارات قائمة حين ينسد امامنا أفق الحلول، ولنثق فى حكمة القيادة وفى وطنية الجيش أمام مسئولية تاريخية كبيرة، ونحن معهم ووراءهم بأروحنا وأموالنا فى قضية وجودية يتعرض لها الوطن الآن.