عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

بهدوء

 

كنت وما زلت أومن بأهمية دور الفن فى صناعة قوة مصر الحريرية، وأهمية الفن فى الارتقاء بالذوق والوجدان وتشكيل وعى الجماهير، ففى العام الماضى جلس المصريون أمام شاشات التليفزيون يشاهدون مسلسل الاختيار (1) ليروا بطولات الجيش المصرى على الجبهة الشرقية فى أرض سيناء، مبهورين بالصورة التى تقدمها الدراما عن دور رجال القوات المسلحة فى الدفاع عن الوطن بأرواحهم، واليوم يعرض التليفزيون المصرى مسلسل الاختيار (2) عن بطولات الشرطة فى الجبهة الداخلية على أرض الوطن، وكيف يضحون بأرواحهم.

جاءنى ابنى الصغير يوم السبت 17 إبريل ليناقشنى فى حلقة فض رابعة، والأحداث التى حدثت فى المسلسل، فقال لى: إن الشرطة قد  فتحت لهم ممرات للخروج الآمن، ولم تسع إلى قتلهم، هنا أدركت أن المسلسل قد بنى صورة ذهنية لدى ابنى تجاه هذه الأحداث، صورة ذهنية ايجابية عن أداء الشرطة مع الجماعة المحظورة، وأن الشرطة لم تبدأ بإطلاق النار على معتصمى رابعة، وخرج ابنى من المكتب، وأنا أفكر فى مدى دور الدراما العميق والفاعل فى التأثير فى الوجدان والوعى لدى الصغير والكبير، والأمى والمتعلم، والعامة والخاصة.

إن للدراما المتميزة وحدها الدور الفاعل فى تشكيل الوعى، والتأثير فى الوجدان، وتعرية عنف الجماعات الدينية ومواجهتها فى المجتمع، تلك الجماعات التى تكفر الفن، فإذا بالفن من خلال الدراما يتحول إلى أداة لتعريتهم، ومواجهة إرهابهم فى كل صوره، فالدراما بكل أشكالها لها سحرها خاص فى التأثير على قطاع عريض من الناس، ولا يمكن لأى وسيلة أخرى التأثير فيهم مثلما تؤثر فيهم الدراما.

ولابد أن نعترف بأن ما عجزت عنه كتائب الإعلام غير المحترف فى مواجهة الإعلام المضاد، وفى عجزه عن عرض انجازات السلطة، وعن  الدفاع عن الدولة، وعن مواجهة عنف الجماعات الدينية وتعريتها، استطاع مسلسلان بالمقابل فى العام الماضى وهذا العام تعرية عنف الجماعات الدينية، وتقديم دور الجيش والشرطة بالشكل الذى يليق بهما، دع عنك بيان الدراما لتهافت هذه الجماعة، وسعيها للسلطة بأى شكل كان، رغم ادعائها بأنها جماعة دينية، وقد كشف المسلسل بلمسات إنسانية واضحة حجم الانشقاق الذى حدث داخل الجماعة مع فض رابعة.

وما بين عجز الإعلام وقوة الدراما ينبغى أن نعيد التفكير فى ضرورة تقوية الإعلام وترشيد تمويله، والاتجاه به نحو الاحترافية الشديدة، ولا ينبغى للمصرى أن يبحث فى قناة العربية وغيرها ليعرف أخبار وطنه، كما أن مصر ينبغى أن تكون لديها قناة اخبارية متميزة جاذبة للمشاهد تتمتع بالمصداقية والاحترافية، وتحترم عقل المشاهد، وبالمقابل يجب الدفع بقوة بالدراما على مدار العام كله، وذلك لاتساع مداها فى التأثير، وألا يقتصر دورها فقط على مواجهة الإرهاب كمشكلة أساسية يواجهها المجتمع المصري.

كانت مصر أول دولة فى الشرق الأوسط أدخلت السينما، وكانت الأفلام والأغانى والمسلسلات المصرية تشكل وجدان الأمة العربية من المحيط للخليج، وتشكل إحدى ركائز القوة الحريرية لمصر، ومازال الأرشيف المصرى هو الأكثر سعة فى هذه المجالات، ولكننا لابد أن نعترف بتراجع الدور المصرى فى العقدين الآخيرين، وتصاعد الدور السورى والتركي، واتجه المصريون والعرب لمتابعة هذه المسلسلات، ويظل أخطر ما فى الدراما تصديرها لصورة قوية عن بلد المنشأ التى انتجت هذه الدراما، وهنا نتأمل كيف قدمت الدراما التركية ترويجاً كبيراً للعثمانية الجديدة؟

ولذلك نحن فى حاجة لاستمرار دور الدراما على مدار العام شريطة أن تكون الدراما هادفة، وتريد ايصال رسالة واضحة للمجتمع، فأنا وجيلى قد شكل وجداننا ووعينا الأعمال العظيمة لأسامة أنور عكاشة، ومحمد جلال عبدالقوى وغيرهما، ولذا أؤكد أهمية وخطورة الدراما فى التأثير فى وجدان ووعى الشعب بكامله، وأهمية إعادة انتاج صورة مصر فى المنطقة من جديد.