رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

فى بيت الصديق الأجمل الذى عرفته فى رحلة الحياة بهجت قمر، اجتمع أهل المواهب النادرة وكان بينهم سيد حجاب وأبوبكر عزت وعبدالله فرغلى والعم صلاح السعدنى ومعالى زايد ومحمد وفيق وعمر عبدالعزيز والمنتصر بالله، وأخطر من أنجبت دولة الفنون فى كل العصور تحفة زمانها وكل الأزمنة الغالية شيريهان.. وكانت المناسبة عيد ميلاد بهجت قمر.. ومن حولنا علم مصر الأخضر بنجومه الثلاث والهلال وصورة جلالة الفاروق ملك البلاد، وجميع أفراد الأسرة العلوية بدءا من محمد على باشا حيث توقف الزمان لدى صاحب الدار عند تاريخ محدد وهو يوم 22 يوليو من العام 1952 ولم يكن بهجت قمر يعترف بالثورة المصرية ولا بزعيمها الخالد جمال عبدالناصر، وظل وفيًا لعصر الباشوات والباكوات والأفندية. وأما السلام الملكى فقد كان هو النشيد الأقرب إلى قلبه، ورغم اختلاف الأهواء فإن هذا الأمر لم يفسد للود قضية بين بهجت قمر وأى انسان آمن بجمال عبدالناصر، وكان قلب الفيل عظيم الضخامة ليتسع الجميع، بل وليجد حتى أعداء بهجت قمر لأنفسهم مكانًا داخله.. لم يكن يعرف معنى للكراهية.. أحب البشر على اختلاف أنواعهم وألوانهم.. كان شخصًا جاذبًا لأصحاب المواهب.. فعنده تبدأ العملية الفنية حيث الورق وهو أساس العمل الفنى إذا خرج وعليه اسم بهجت قمر.. أصبح ماركة تجارية على الجودة بل أعلى درجاتها على الإطلاق، ومن خلف هذا الورق سيجرى أصحاب المواهب الأخرى الممثل والمنتج والمخرج والموسيقار.. فى هذا اليوم الذى شهد الاحتفال الأخير بعيد ميلاد الفيل قبل أن يرحل عن عالمنا فى العام 1989 فى الثالث من شهر يناير.. وجدنا شيريهان فجأة تطلب من الجميع الصمت.. وقالت.. النهاردة كل واحد فينا يقول بيت شعر لبهجت قمر، وبالفعل بدأت شيريهان الدور من على يمينها حتى تضمن أن تكون الأخيرة وبدأ الحضور فى إلقاء أبيات الشعر المرتجلة وكأننا فى سوق عكاظ.. وكان التصفيق أحيانًا يرتفع وينخفض تبعًا لجودة الشعر.. حتى جاء الدور على أيمن بهجت قمر.. والحق أقول وضعت يدى على قلبى.. لأن أيمن سوف يقوم بعملية عك دولى لا مثيل لها، ولكن فجأة اعتدل أيمن الصغير فى السن المحب للأكل ولا شىء سواه، فقد كان يتغدى فى اليوم الواحد مرتين، أما العشاء فكان أوبن بوفيه لا يتوقف ابدًا إلا إذا نام وفكرت أن أقوم لأدخل فى أى مكان حتى لا أشهد الكارثة بأم عينى.. ولكن أيمن انطلق ببيت من الشعر جعل جسدى يتعرض لقشعريرة نادرًا ما تحدث، فقد وصف الفيل وأجاد الوصف، واستخدم كلمات عامية بسيطة أحدثت طربًا فى الأذن والفؤاد معًا فى هذا اليوم وضعت الجميلة شيريهان يدها على موهبة أيمن بهجت قمر، وتولى بعد رحيل الفيل عمنا الشاعر الرائع سيد حجاب عملية صنفرة الموهبة وقيادتها ووضعها على الطريق الصحيح.. لا أنسى أبدًا كيف أن الصدفة لعبت أخطر دور فى حياة أيمن بهجت قمر عندما استأجر سيد حجاب الشقة التى تعلو بهجت قمر ليتخذ منها مكتبًا.. تحول هذا المكتب إلى مدرسة عليا للدراسات غير المتاحة وغير المسبوقة لا فى معهد ولا فى جامعة، كان سيد حجاب مندهشًا لأن جينات هذا الكيان المسمى بأيمن قد حمل نفس الفيروس النبيل لأبيه عبقرى زمانه بهجت قمر، وسر دهشة سيد حجاب أن أيمن فى هذا العمر المبكر كان لديه إنتاج شعرى يتفوق على أكثر من 90٪ من الشعراء المتواجدين والذين يملأون السوق ضجيجًا، ويستولون على جميع تيترات المسلسلات الرمضانية، وكنت أطمئن من العم سيد على أحوال أيمن من بعيد لبعيد ودون أن يعلم أيمن بالأمر.. كان العم سيد يقول أنا ألعب فى حياته الآن دور المعلم والوالد معا.. ومع الأيام أثبتت التجارب أن حكم سيد حجاب كان بمثابة حكم محكمة عليا لا يقبل الطعن.. بأن المدعو أيمن بهجت قمر يمتلك من المواهب ما يجعله مع سبق الإصرار والترصد هو القادم ربما وحده فى عالم الغناء ليستولى على أغلب السوق الدرامى.. وكانت المفاجأة الأخطر أن أى انسان بمجرد أن يستمع إلى كلمات أى تيتر غنائي يستطيع أن يحدد ما إذا كان لأيمن بهجت قمر أو لغيره، وهذا فى حد ذاته نجاح خطير جدًا.. ويعلم أيمن تمامًا من شخصى الضعيف أننى من عشاق العم بهجت، ولكننى فى الحق لا أعرف أحدًا على الإطلاق.. وقد نصدى أيمن ذات مرة لكتابة الجزء السادس من ليالى الحلمية، فنالت أخويا الأصغر أيمون سهامى القاتلة وغضب أيمن وخاصمنى.. ولأنه يعلم أيضًا طبيعتى بأننى لا أسمع للأعزاء من حولى أن يطول بنا الخصام فقد عاد.. وكان شيئًا لم يحدث وبراءة الأطفال فى أعيننا معا.. وكنت أرقب خطواته بالتمنى والرجاء بأن يواصل الارتفاع فى الخط البيانى إلى الأعلى.. وبالفعل حدث لقاء مع أحد عمالقة الطرب الفنان صاحب البصمة المتميزة والحنجرة التى تفوقت على الذهب والماس وكل ما هو نفيس صوت النوبة العذب الشامخ الذى أصبح  حدث كل مصر وكل العرب، الصوت صاحب القضية ووجهة النظر الفريدة صوت محمد منير.. وكنت أتمنى من أعماق القلب أن يحقق اللقاء لأيمن ما سبق أن عودنا عليه، ولكن الأمانى وحدها لم تشفع لكى يصل إلى تلك النتيجة.. والحق أقول إننى وبعد أن دخل التعاون الفنى بين نجوم المعمورة عادل إمام والكاتب يوسف معاطي نفقاً مظلمًا تبين أن لا بصيص من نور داخله، وأن الفراق أصبح أمرًا حتميًا كما حدث فى السابق مع وحيد حامد.. عادت الأمانى تداعبنى وقلت لو أيمن بهجت قمر كتب له أن يحل محل معاطى، ويكتسب ثقة عادل إمام، فسوف تكون نقلة صاروخية باليستية عابرة لمدارات كل الفنون وكل الجنون، وقد جاءت الفرصة فى «فالنتينو»، وأياً كان رأى حضرات السادة النقاد أو المتابعين فى هذا العمل، فإننى هنا سأتناول ما تحقق لأيمن بهجت قمر من التعاون مع عادل إمام.. وأظن أن هذا العمل هو الجهاد الأخير لهذا النجم الذى لن ينطفئ ضوؤه ما دامت دولة الفنون باقية.. عادل إمام الذى فتحت عينى لأجده أمامى، بل لأجد أمامى ثلاثى نادر الوجود صلاح السعدنى وسعيد صالح وعادل إمام.. كانوا معا فى كل مناسبة وفى كل يوم وفى كل سهرة للولد الشقى السعدنى الكبير طيب الله ثراه.. وقد كنا أنا وأختى هالة نظن فى طفولتنا المبكرة أن الثلاثة هم أعمامنا وهم أشقاء الولد الشقى جميعًا حتى وإن اختلفت أسماء البعض منهم.. كان لعادل وسعيد وصلاح فى وجداننا أثر لا يمكن الكتابة عنه أو وصفه، لأنهم اختلطوا بعمرنا بأكمله وكانوا قاسمًا مشتركًا أعظم فى الطفولة والشباب والكهولة.. رحم الله عم سعيد وأمد فى عمر عادل وصلاح.. عادل إمام بعيدا عن أى عواطف وكما قال عبقرى المسرح المصرى وأبوه الشرعى سمير خفاجى.. هو أعظم ممثل وقف على خشبة المسرح لا فى مصر وحدها ولا فى عالمنا العربى، ولكن فى العالم أجمع.. فقد أمضى أكثر من 50 عاماً فى المسرح.. تصدى لدور البطولة فى 40 عاماً متواصلة، قدم عرضاً مسرحياً واحداً على الأقل لمدة 8 سنوات متواصلة، وهو أمر لم يتوفر لممثل غيره، وبنجاح أذهل الجميع. عادل إمام هو جبرتى الفن المصرى بالتأكيد، لأن أفلام هذا العبقرى بعد مائة عام هى أبلغ وثيقة لعصره وآلامه وأحلامه ومشاكله ونجاحاته وإخفاقاته.. مع وحيد حامد وشريف عرفة ارتفع هذا الثلاثى فى عدة أعمال ليتوج بأحد أعظم ما قدم الفن المصرى عبر سنوات طويلة فى الفيلم المعجزة «النوم فى العسل» وهو فيلم بمثابة عملية تشريح لم أصاب مصر شعباً وحكومة ومؤسسات من عجز.. فيه رفع هذا الثلاثى الكارت الأصفر منذراً المجتمع بعواقب ما وصلنا اليه، ولكن وعلى رأى دريد بن الصمة.

أمرتهم أمرى بمنعرج اللوى.. فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد

 نجا هذا العبقرى الأوحد من مصير حتمى الجميع سقطوا فيه بلا استثناء اللهم إلا نجيب الريحانى.. فعندما يبلغ الكوميديان الخمسين من عمره، فإنه كما لاعب الكرة يفقد حساسيته للكرة ويصبح عليه تماماً أن يفعل مثل لاعب الكرة، فيقيم مباراة اعتزال، هكذا كان مصير فؤاد المهندس فى سيدتى الجميلة التى كانت بمثابة مباراة الاعتزال.. وهكذا أيضاً ودع أمين الهنيدى البطولة ومحمد عوض وغيرهما.. ولكن هذا المصير المحتوم لم يسمح عادل إمام له أن يلحق به، بل إنه تمادى فى تقديم جرعات كوميدية مكثفة حتى آخر عرض مسرحى قدمه على ما  أعتقد فى العام 2011 أو 2012.. ثم استكمل الإبحار فى عالم السينما والتليفزيون، وأصبح أكثر تركيزاً اليوم فى الشاشة الصغيرة حتى قدم آخر عمل شارك فيه بكل قوة وبكامل الحضور الطاغى والحس الكوميدى الرفيع.. «مأمون وشركاه» ثم بدأت علامات الزمن تترك آثارها على العزم والحيوية والإشعاع الذى سكن هذا الكيان النبيل، فكان لا بد من احترام الزمن وأن يكون العطاء على مستوى القدرة والإمكانيات. بدأت الأعمال تضع فى حساباتها الوضع الجديد.. وهو أمر أيضاً يحسب لعادل إمام فهو النجم الأخطر فى عالم عربى يمتد من المحيط الى الخليج حيث يسكن أكثر من 600 مليون عربى سوف يظل عادل إمام هو صاحب التأثير الأعظم فى قلوبهم جميعاً.

واليوم أجد مشروعا عمره 40 عاماً يتحقق من جديد مشروع حلم دفين.. أكاد أجزم أن الحلم كان مشتركا بين شخصين.. عادل إمام وبهجت قمر.. كان عم بهجت يكتب فيلم  عبقرى اسمه كراكيب انتشرت أخباره ومشاهدة كما الدوامة التى تسلم دوامة أكبر منها حتى أصبح الفيلم منتشراً دون دور للعرض وبشكل رهيب ربما بلغ عادل إمام الشىء الكثير وحرص على السهر مع بهجت قمر وأحبابه.. وربما شعر بهجت قمر أن عادل يريد الأوراق ولكن أحدًا لم يبح بالحلم وداخله وهكذا انتهى مشروع حلم جميل.. تحقق بعد ذلك  على أيدى هذا الفتى الجميل أخى الأصغر الذى لم تلده أمى أيمن بهجت قمر إنه «فالنتينو»... الجهاد الأخير لعادل إمام أو مباراة الاعتزال الكبرى.. قد تكون شاهدت العمل فأعجبك أو لم يحقق طموحك الذى كنت تنتظره أياً كان رأيك في هذا العمل فإننى سعدت بوجود عادل إمام على شاشات العرض فى رمضان. فأنت إلى جانب العدول فسوف تلتقى بنجوم للمستقبل، بكل تأكيد هم كل هؤلاء الشباب الذين منحهم عادل الفرصة.. أو كل هؤلاء الذين أعاد عدول اكتشافهم.. وسوف يذكر التاريخ العظيم التى يجره عادل إمام من خلفه أن العمل الأخير كما صرح هو شخصياً «فالنتينو» كان من تأليف الولد الجميل أيمن بهجت قمر. يا عدول 50 سنة على قمة الهرم أمر لا أقول نادر الحدوث.. ولكن مستحيل التحقيق.. ولكن هذا المستحيل جعلته أنت وحدك ممكناً، ولكن ما أصعب مهمة كل الأجيال التى جاءت من بعدك، والتى سوف تجىء.. سوف يكون أمامها عشرات بل مئات السنين لكى لا أقول تنافس عادل إمام.. ولكن لكى تقرب المسافات بينها وبين المقياس المعجزة والقامة المستحيلة والرصيد الذى ارتفع ليصبح هرماً رابعاً هو إحدى عجائب الفن فى العالم. فأسأل الله أن يبقيك لتمتعنا وتسعدنا سواء فى الفن أو الحياة فنحن بلا أى مبالغة ولا مجاملة نعيش فى عصر.. عادل إمام.