رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

للولد الشقى السعدنى الكبير كتاب جميل عن المضحكين فى عصر استعرض خلاله جميع هؤلاء النابهين النابغين الذين لا تنبتهم أرض على مستوى الكرة الأرضية سوى هذا البلد العظيم، ومن بين هؤلاء كان ثلاثي أضواء المسرح سمير وجورج والضيف أحمد.. وتنبأ السعدنى لهؤلاء الموهوبين بما حدث لهم بالفعل بعد ذلك فى رحلة الحياة باستثناء النجم الكبير سمير غانم، فقد اعترف السعدنى بأنه الوحيد الذى «فلت» منه، فقد صنفه السعدنى فى كتابه على أنه «كداب زفة»، وهو هذا الشخص الذى تجده فى فرقة الموسيقى لابس مزيكا.. دون أن يشارك أو يفهم فى عملية العزف.. ولكن سمير غانم بعد ذلك انطلق بسرعة الصاروخ وأظهر ما بداخله من موهبة لا خلاف عليها.. وارتفع شأنه لكى يناطح الكبار، وأصبح الفارس رقم «2» فى المسرح المصرى بعد عادل إمام.. وحدث أن دخل السعدنى الكبير السجن فى عهد الرئيس المؤمن أنور السادات وقضى هناك عامين كاملين بعد صدور كتابه "المضحكون" بأقل من عام واحد.. وخرج السعدنى من السجن فى العام 1973 بالتحديد فى يوم 15 مايو.. ليجد بعد ذلك بعدة أسابيع أو شهور لا أذكر تليفونا من جورج سيدهم يدعوه لكى يشاهد مسرحية الثلاثي الجديدة «جوليو وروميت».. وبالفعل ذهبنا إلى هناك، وكان السعدنى ممنوعا من أن يكتب فى الصحف أو تعرض له مسرحية أو مسلسل أو حتى يذكر اسمه فى أى مجال.. وعلى عكس هذا الاتجاه العجيب.. وبعد أن انتهى العرض جاء جورج سيدهم وسلم بحرارة على السعدنى، وقال له: إن المسرح فى مصر محتاج لقلم السعدنى فصارح السعدنى جورج بأنه ممنوع من أى كتابة في بر مصر كله.. ولكن جورج قال:

والله ياعم محمود ربنا حيفرجها. وبالفعل في العام التالي اتصل جورج سيدهم بالسعدني ذلك في عام 1974 وقال.. ياعم محمود مش حتوفي بالوعد..  وكان السعدني قد نسي كل شيء وقال.. انا وعدت بايه ياعم جورج فخرجت من داخل جورج ضحكته المجلجلة الطفولية وقال.. مش انت وعدتني انك حتعمل مسرحية للثلاثي.. وقال السعدني علي الطلاق أنا ممنوع من أي كتابة.. ولكن جورج قال إنت بس عليك تكتب وسيب الباقى على ربنا.. وبالفعل كتب السعدنى رواية اسمها (4 ـ 2 ـ 4).. كان فيها اثنان الابطال هما من لاعبى الكورة وهى قصة صعود وهبوط لنجمين تتكرر على الدوام، كان الدور الأبرز فيها لشخصية «السكاسنجى» والتى بسببها حدث خلاف بين أبطاله الثلاثة عمن يؤدى هذه الشخصية.. المهم ان جورج تسلم النص ومنح السعدنى أعلى أجر فى هذه الأيام ولم تر المسرحية النور حتى هذه اللحظة ولكن عندما عدنا من رحلة المنفى خارج الديار المصرية.. وجدنا أن الرواية تحولت إلى فيلم بنفس الاسم (4 ـ 2 ـ 4) وكان بطل الفيلم سمير غانم.. ولم يكن لجورج سيدهم أى وجود.. ومع شديد الأسف بدأ جورج سيدهم يهتم أكثر بموضوع الإدارة فمنحه أغلب وقته وجهده، وجاء ذلك على حساب فن وابداع جورج سيدهم.. وقد تعرض هذا الفنان الأصيل لعملية نصب كبرى وطعنه أقرب الناس فى ظهره ضربة كانت كفيلة بالقضاء عليه نهائياً.. ولكن الإنسان الطيب داخل هذا الاناء البشرى رضى بما هو مكتوب واقتنع بما هو لديه وعاش حياته راضيا شاكرا لله أفضاله حتى بعد ان أصابه المرض كنت عندما أراه اجد نورا يملأ  وجه هذا الإنسان، إن النور الذى يسبغه المولى عز وجل على عبادة الانقياء الاتقياء.. حضرت عدة مرات احتفال جورج سيدهم بعيد ميلاده أول مرة كان الاحتفال فى برج ساريدار فى الدقى وذهبت بصحبة العم الغالى صلاح السعدني.. و آخر مرة ـ كانت فى القنصلية الايطالية  وحضرتها  مع لفيف من أجمل أصدقاء العمر رجاء الجداوى  ودلال عبدالعزيز والأب بطرس دانيال واللواء المرحوم رفيق سيدهم  والجميلة نيهال عنبر وأشرف زكى والهام شاهين وكانت الدكتورة ليندا حاضرة على الدوام فى كل تفاصيل حياة جورج سيدهم وهى سيدة لو قدمت مصر جائزة للوفاء.. لكانت من نصيب الدكتورة الفاضلة ليندا التى أمضت مع جورج سيدهم أكثر من عشرين عاما تعمل من أجل سعادته وتمرضه وتطعمه وتخفف عنه غضبًا خلفه غياب اصدقاء، وأحزان تراكمت بفضل تجاهل البعض... وتبعد  عن طريقه أى احساس بالقهر الذى سببه المرض كل الكلمات تعجز عن وصف صنيع هذه السيدة المقاتلة.. وكل  البلاغة تقف صامتة امام جهد جبار طوال عقدين من الزمن.. و أعود الى جورج سيدهم الذى التقيته مرات  عديدة.. سواء فى شقة الدقى حيث يسكن أحد عباقرة الفنون فى مصر وفى كل عالمنا العربي مولير الشرق بهجت قمر كان جورج سيدهم يأتى وكله امل فى أن ينال ورقًا يحمل اسم بهجت قمر لكى  يحوله الى عمل مسرحى، وهو أمر لم يتحقق ولكن الذى تحقق بالفعل  هوالبهجة التى خلفها جورج سيدهم فى حواديته  وحكاياته عن ذكرياته فى عالم الفنون وبداياته وحكاية لقائه مع بهجت قمر واكتشفت فى  استوديوهات عجمان التى انتجت أجمل ما قدمت الدراما العربية بعد ماسبيرو.. قبل ان يغزو الفن المصرى هؤلاء الذين تآمروا على اللهجة المصرية وعلى المبدعين المصريين.. وجدت ثلاثة أطقم فنية كل منها يقدم عملا فنيا بديعاً وكنت أيامها اقيم مع العم صلاح السعدنى فى «الجيست هاوس» الذى يضم الفنانين ويعود ملكيته الى صاحب استوديوهات عجمان.. تحول المكان الى بقعة للفكاهة والمرح..  تولى جورج  سيدهم مهمة إطعام الأصدقاء  وللمرة  الأولى فى حياتى وربما الأخيرة أتناول عرق لحمة مصنوعًا على طريقة لها العجب خلط فيها جورج سيدهم المطبخ الطليانى بالمطبخ الشرقى فأخرج شيئاً لا مثيل له فى عالم الطبيخ.. وقد كنت فى هذه الأيام عديم الأكل  شهيتى لا تتجه الى الطعام الا فيما  ندر  وساعتها قال لى العم صلاح.. انت حتفضل مضرب على الطعام.. قلت له.. أنا وزنى 56 كيلو ياعم صلاح قد أزيد 2 ك.. أو انقصهم.. فلا اقل من هذا الوزن.. وده أمر مش بايدي.. وهنا جاء جورج سيدهم يرتدى ملابس الطاهى المحترف.. وهو يقول.. وسع ياجدع منك له.. ماحدش يمد ايده.. أنا اللى ح اوزع وفاحت رائحته فى الأجواء.. وجدت ابراهيم عبدالرازق وكان يرتدى جلباب البلدى يخلع الجلباب وهو يقول اللهم صلى على النبى ربنا المستعان... وضحك الجميع.. فقال العم  صلاح ومن لحمة للأكل مش لحاجة تانية  وقال  الفنان الجميل ابراهيم عبدالرازق.. والنبى ياسعدني.. أنا مش فاضل لى متعة فى الدنيا غيرها.. سيبونى ياناس. وانطلق نحو الطاولة المتحركة على عجل وأمسك جورج باكله و جرى بها بعيدا عن الرجل  الذى سوف يقوم باغتصابها أو التهامها وحيدا وغاب العم جورج قليلا ثم عاد.. وقد قسم الوليمة على عدد غير محدود من الأطباق واشهد اننى صنعت الشيء نفسه الذى صنعه ابراهيم عبدالرازق والعم صلاح وكل الحاضرين..

فقد كان لمذاق هذا العرق من اللحمة مالم استطع طوال هذا السنوات  أن أنساه على الاطلاق.. وأتمنى من الله أن يوفقنى الى كتابة هذه الذكريات الأكثر متعة والتى كان ابطالها نجومًا فى الصحافة والاعلام  والفن والطرب..

رحم الله الفنان الإنسان الجميل الطيب جورج سيدهم الذى سكنه طفل صغير.. لا أطماع له.. أى شيء يرضيه.. أى كلمة تسعده.. أحب كل البشر.. فأحبوه.

الله يرحمك يا عم جورج