رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

امتلأت فيلا المستشار بزعيق صاخب، ونباح الكلاب التى تحرس الفيلا القائمة وحدها فى شارع الهرم، وأطل للرجال من النافذة، فرأى شجارًا اشتبك فيه زائر، والتف حوله الخادم، ثم وجدهم يجذبونه من كتفه ليخرجوه، وينهروه بعبارات، صارخة، كان الزائر بصيح أريد مقابلة المستشار، فرد عليه أحد الخدم بأن سعادة الباشا لا يقابل أحدا، فقال له الخادم: أنت كذاب، إنك لم تطلب مقابلة المستشار، لكنك طالبت مقابلة الست الكبيرة!!

سمع قاسم أمين هذا الحوار، ورأى المشاجرة الحامية، فأمر الخدم بأن يكفوا عن الضجيج، وأن يأتوا به إليه، ولما استقبله، رحب به، وطلب من الخادم أن يعد له فنجانا من القهوة، ومرت لحظة، كان الزائر خلالها يتأمل هذا المستشار، الذى اكتسب سمعة طيبة فى نزاهته وعدله، وسمعة سيئة فى أفكاره!!

وهل هناك دليل على الاباحية، والفسق، والفجور، أكثرمن أن ينادى رجل بأن تخلع المرأة برقع الحياة، وتمشى فى الطريق بوجه مكشوف، بل أنه يريد للمرأة أن تختلط بالرجال، وتمارس أعمالهم، وتنقلب من مجرد متعة، أو قطعة أثاث فى البيت، إلى إنسان له رأى وإرادة وتفكير!

وجاءت القهوة، والتفت الزائر حوله، فلم يجد فى الغرفة غير قاسم أمين، فدنا منه وقال: أنا عاوز الست بتاعتك، وقال قاسم أمين فى هدوء: عاوزها فى إيه، قال الزائر ألست تدعو إلى اختلاط المرأة بالرجال والقضاء على الحجاب، أعطنى أمرأتك لأخرج معها.!!

وابتسم قاسم فى مرارة، وقال الزائر: إن الدعوة إلى السفور والقضاء على الحجاب، وإعطاء المرأة حقها كانسانة، لا يعنى تحويلها من متاع خاص لزوجها إلى متاع عام للناس، ودعوتى إلى تحرير المرأة من رق الحجاب، وسجن الحريم، هى فى الوقت نفسه، دعوة إلى تحرير الرجل من مفهومه للمرأة، ولن تتحقق حرية المرأة إلا إذا تحقق تحرر الرجال، وبكى الزائر، وأصر أن يقبل يد قاسم، فرفض!!

كان ذلك فى عام 1907، وكانت دعوة قاسم أمين إلى تحرير المرأة، قد لقيت ضجة فى الرأى العام، وقد تحمس المثقفون لمحاربة هذا الثائر، وحمل عليه رجال الدين حملة شواء، تصدى للرد عليها شاب أصبح فيما بعد من أكبر الشخصيات التى بنت اقتصادنا هو طلعت حرب، وقبل أن يموت كان بين موظفي البنك الذى أنشأه، بضع فتيات، ورفعت ابنته الحجاب، وأعطاها والدها حق الموافقة على الزواج من خطيبها محمد رشدى الذى صار فيما بعد رئيس مجلس إدارة بنك مصر!!

وعندما أصدر قاسم أمين كتابه تحرير المرأة خرجت طالبات مدرسة السنية سافرات الوجوه، وسرن فى شارع المبتديان بلا حجاب، ومشي الناس وراءهن يرمونهن بالحجارة!!

وفى مساء 23 إبريل سنة 1908 كان المستشار قاسم أمين يحتفل فى نادى المدارس العليا بوفد الطالبات، الرومانيات اللائى يزرن مصر، وذهب إلى بيته، واستقبلته زوجته وبنته، ولم يكد يأوى إلى فراشه حتى شعر بانقباض، ثم لفظ آخر أنفاسه، مات بالسكتة القلبية.

وارتفع من هذا البيت لأول مرة، صوت صاخب، من سيدة تبكى زوجها آخر بكاء، هذا البيت باعته أسرة قاسم أمين، وتحول فيما بعد إلى كباريه، واليوم نحن ننادى بمليون رجل مثل قاسم أمين ينادون بأن ترفع المرأة برقع الحياء، وتمشى فى الطريق بوجه مكشوف، مطلوب امرأة لها رأى وإرادة وتفكير!