رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دعونى أعترف أمامكم، أن متعتى الكبرى فى هذه الحياة هى أن أعرف الناس، لأن أجمل ما فى هذه الدنيا هم الناس. من هنا كانت هوايتى الكبرى أن أعرف الناس من الداخل ومن الخارج، أن أدرسهم، وأن أفحصهم من الداخل وأن أحبهم، فقد أحببت كثيرين،  ولم أحاول أن أكره أحداً، كنت أعامل الذين يكرهوننى - لا لشيء إلا لأنى أختلف معهم فى الدين أو العقيدة ـ كأنهم مرضي، وأدعو لهم بالشفاء، كنت أعطى عذرا للطبيعة البشرية، وكنت أعذر الفاشل الذى يحقد على الناجح،  وأعذر الضعيف الذى يكره القوي.

وعرفت أشكالا وألوانا من البشر، عرفت أقواماً طوالاً عراضا من خارجهم، وصغاراً متفائلين من داخلهم، رأيت صعاليك لهم طباع الملوك، وملوكا لهم أخلاق الصعاليك، عشت مع العظماء فى سمائهم، وشاهدت الشياطين وهم يحيون فى قاع الأرض!!

واكتشفت أن بعض الناس فى داخلهم يختلفون كثيراً عما فى خارجهم، اكتشفت أن الناس مظاهر أثوابهم  من ايطاليا واسبانيا، وأحذيتهم ايكو وكلاركس، وجلودهم محفور عليها الحقد والضغينة والكراهية،  والرغبة فى الانتقام،  ولكن هؤلاء أقلية، إنما الأغلبية هى من الناس الطيبين، يقفون معك فى الشدة، ويسندون فى المحنة، ويعطفون عليك فى الأزمة، تنشق الأرض فتجدهم حولك، لا تعرف من أين جاءوا ولا من أرسلهم، لم تعرفهم من قبل، ولم تسمع بهم، انهم صغار فى مراكزهم لكنهم كبار فى تصرفاتهم،  لا يحملون سياطاً يضربون بها، ولا سيوفا يحاربون بها، ولا مدافع يطلقونها، لكنهم يحملون  قلوباً كالقلاع لا تنفد أبداً، ولهم ألسنة حادة كالسيوف يقطعون بها رؤوس الطغاة والبغاة.

وفى مسيرة حياتى رأيت على القمة عباقرة وعمالقة، ووجدتهم أشبه بالجبال الشامخة، وصعدت الى قممهم لأجد أنهم وصلوا اليها  بكدهم وعرقهم وعلمهم، كما وجدت على القمة نفسها لا يعرفون شيئاً، صعدوا الى القمة بالكذب  وبالنفاق ومسح الجوخ!!

عاشرت رجلا تقلد دور المؤرخ  والمفكر والداعية، ونصب نفسه إلهاً للعدل فى محراب الحق، فقلبه إلى قلعة للظلم اغتال فيه المخالفين معه فى الدين، والمختلفين معه فى العقيدة، حاول أن يلطخهم بالسواد، ليبدو للناس ان سواده أكثر بياضاً فى العيون، ثم شاهدته والكل يلعنه، شاهدته وهم يشيرون اليه بالمنافق المتعصب!!

وعاشرت رجلا آخر، اعتلي أرقى المناصب، كانوا يطلقون عليه الرجل العلامة،  حامل حقيبة الأسرار رأيته وهو يحل الحرام،  ويحرم الحلال، شاهدته وهو يستخرج من القانون ما لم يخطر ببال واضعى القانون، شاهدته وهو يسطو على الحى وعلى الميت، شاهدته وهو يسرق زوجة غيره!!

وعاشرت آخر كان يصلي، وكان يصوم عن الطعام، لكنه لم يصم  عن أكل لحوم البشر، كانت هوايته ان يشكك فى نزاهة زملائه، وسمعته وهو يشهد بالزور عليهم، شاهدته وهو ينهش فى أعراضهم، ورأيته وهو يشرب من دمائهم، وسمعته وهو يطلب من ضحاياه الا يصرخوا من التعذيب حتى لا يزعجوا مضاجع الجلادين، سمعته وهو  يطلب من المظلوم أن يكتم صراخه حتى  لا يسيء الى مواكب الظلمة!!

وشاهدت رجلاَ فرضته الأقدار على المواقف، فجامل أناساً على حساب أناس، وبنى للمؤمنين أصناماً وطلب منهم أن يعبدوها فعبدوها، شاهدت وقلبه ممتلئ بالتعصب، شاهدته وهو جالس على مكتبه خالعاً حذاءه، ويتحدث  لمن أمامه على أنه خالقه وولى نعمته، وشاهدته وهو يظلم، شاهدته وهو يكتب عشرات الصحف، كان يتصور ان كل سطر يسطره مظهر من مظاهر الايمان، وركن من أركان العقيدة، فقد نسي الرجل  ان العدل أساس الملك، وإن مرض فهو لا يموت،  وان غفا فإنه لا ينام، وان خبا فإنه لا ينطفئ، وان الدنيا لا أمان لها، فقد حولت الأقوياء الى ضعفاء، والضعفاء الى أقوياء.

وعاشرت رجالا منصفين للحق، جبلوا على البذل، وعلى الجرأة، كبارا لا يحملون سيوفاً ولا سياطاً، رأيت قلوبهم كالقلاع، واقلامهم كالسيوف، قطعوا بها  رؤوس الظلمة ورقاب الطغاة!!