عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

خارج السطر

 

 

 

لا أريد أن أصدق ما يردده البعض بأن هذه الدولة لا تكترث للثقافة، وبأن هذه الحكومة لا تلتفت للمثقفين. لا أتمنى أن يكون ذلك القول صحيحا، خاصة أنني أؤمن أن دولة بلا مثقفين تساوي لا دولة، وأمة بدون إبداع هي أمة من القطيع، لا تنهض ولا تتقدم ولا تُشرق شمس خيرها أبداً.

أكتب ذلك وأنا أتابع حالة الشاعر الكبير رفعت سلام، والذي أمتعتنا إبداعاته وأضاءتنا ترجماته سنين عددا. يقف الشاعر المتعفف صلبا أمام عدو شرس، وحيدا يقاوم بإرادته ومحبة الناس سرطان الرئة، جميلا  كعادته في استقبال الأنواء ومواجهة الشدائد.

رفعت سلام ساحر كلمات، صائغ معانٍ خلابة، باني صور جميلة تليق بمصر المعقدة بخيرها وشرها، وجمالها وقبحها، ونورها وظلامها. رفعت عنوان جيل من الشعراء الباحثين عن أسئلة لفترة الحداثة، والمستغرق في تقديم إجابات متنوعة دون أن يوصي بأيها. رفعت ناقل جمال من الطراز الأول، فتح لنا بالترجمة نوافذ للإطلال على كفافيس، بودلير، مايكوفسكي، وبوشكين وغيرهم. رسم سياج عزة وكرامة المثقف المصري في زمن التحولات، واستئجار الأقلام.  كان الرجل ومازال نسيجا وحده، لا يتاجر بإبداعه، ولا يستعرض بسحره، وإنما يقف في صف الجمال والوطن أبدا أبدا.

عندما علم الصحاب نبأ السرطان، انفعلوا، وكتبوا واتصلوا بمسئولين، وإعلاميين، وكبار لينقلوا الخبر للحكومة لتقدم ما عليها أن تقدمه إزاء مبدع جميل نادر كان له دور وطني عظيم في نشر الوعي والثقافة والإبداع. قال لي صاحبي الموجوع بالحكاية إن الوزيرة الرقيقة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة انفعلت بالنبأ واتصلت بوزارة الصحة ليتولى التأمين الصحي علاج الشاعر الكبير. لكن المشكلة أن التأمين الصحي رفض العلاج المحدد للشاعر بواسطة الأطباء لأنه ليس لديه علاج سوى جرعات الكيماوي، ما اعتبره الأطباء قتلا للمريض ببطء شديد.

سيموت كُثر لأن البيروقراطية الحاكمة أنظمة العلاج قاصرة على ألوان من العلاج دون غيرها. وسيموت كُثر لأن وزيرة مسئولة عن الثقافة والإبداع ليس لديها صندوق خاص بإغاثة المبدعين والمثقفين الأفذاذ، حتى أنها اضطرت أن تخاطب وزارة أخرى، وستموت قيم جميلة إن لم نؤمن أن موت مبدع حدث هو الأعظم والأكثر إيلاما في العالم المتحضر.

قولوا لي ما هو جمال مصر بدون نجيب محفوظ، أم كلثوم، طه حسين، توفيق الحكيم، ومحمود مختار؟ ما سحر مصر بدون سيد درويش، نجيب الريحاني، أحمد زكي، ومحمد عبد الوهاب؟ ما عظمة بلادي بدون عبد الله النديم، رفاعة الطهطاوي، المنفلوطي، يوسف إدريس، وأحمد شوقي؟ ما الفاعلية، ما القوة ، ما التأثير، بدون أقلام تكتب، وأرواح تُبدع، ونفوس ترش نسائم الإبداع على العالمين؟

أتخيل أن مرض الشاعر رفعت سلام يدفعنا دفعا أن نُجدد الطلب المُلح إلى الدولة المصرية لإنشاء صندوق لإنقاذ المبدعين ودعمهم في محنهم، ومصائبهم. صندوق صغير تقع مسئولية إدارته على وزير الثقافة، يرُد الجميل لأهله ويؤكد أن مصر تحتضن رموز جمالها الخالدين.

والله أعلم.

 

[email protected]