رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

المستشار لبيب حليم لبيب

منذ أن كنت طالباً فى كلية الحقوق فى الستينيات، وأنا أحفظ عن ظهر قلب تلك القاعدة التى رددها على مسامعنا فقهاء القانون فى ذلك العصر، أن أحكام القوانين لا تسرى إلا على ما يقع من تاريخ نفاذها، ولا تنعطف آثارها على ما وقع قبلها ما لم تنص على خلاف ذلك، ما مؤداه عدم انسحاب تطبيق القانون الجديد على ما يكون قد انعقد قبل العمل به من تصرفات، أو تحقق من أوضاع، إذ يحكم هذه وتلك القانون الذى كان معمولاً به وقت وقوعها إعمالاً لمبدأ عدم رجعية القوانين.

وقد جلست على منصة القضاء أكثر من 50 عاماً، واستقرت كل الأحكام التى شاركت فى إصدارها على أن النص التشريعى لا يسرى إلا على ما يلى نفاذه من وقائع، ما لم ينص القانون خروجاً على هذا الأصل، وفى الحدود التى يجيزها الدستور برجعية أثره.

وأتذكر على وجه التحديد الحكم الذى أصدرته محكمة النقض بجلستها المعقودة بتاريخ 17/ 2/ 1986 فى الطعن رقم 2095 لسنة 51 ق بأن الضريبة التى فرضتها المادة 27 مكرر «ا» من القانون رقم 14 لسنة 1939 المستحدثة بالقانون 77 لسنة 1969 على كل مبلغ يدفع مكافأة عن الإرشاد والتبليغ عن أية جريمة من جرائم التهرب الجمركى لا تسرى على المكافأة التى نشأ الحق فيها، وتكاملت عناصرها قبل العمل بالقانون المذكور.

كما أتذكر أيضاً الحكم الذى أصدرته المحكمة الدستورية العليا بجلسة 6/ 4/1985 فى القضية رقم 114 لسنة 5 ق دستورية بأن المبدأ الدستورى الذى يقضى بعدم سريان أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يرتب أثراً على ما وقع قبلها، وإن كان يستهدف أساساً احترام الحقوق المكتسبة، ومراعاة الاستقرار الواجب للمعاملات، إلا أن الدساتير المصرية المتعاقبة إذ أجازت للمشرع استثناء من هذا المبدأ أن يقرر الأثر الرجعى للقوانين إلا أن ذلك مشروط بشروط محددة، تكون قد افترضت بداهة احتمال أن يؤدى هذا الاستثناء إلى المساس بالحقوق المكتسبة، وأثرت عليها، ما يحقق الصالح العام للمجتمع.

كما أتذكر أنه لما صدر القانون رقم 91 لسنة 2005 بشأن الضريبة على الدخل فرضت المادة 42 منه ضريبة عن إجمالى الإيرادات الناتجة عن التصرفات العقارية، واستثنت من ذلك تصرفات الوارث فى العقارات التى آلت إليه بطريق الإرث الشرعى بحالتها.

وقد ربط المشرع بين هذه الضريبة ورسوم التوثيق والشهر، فألزم مكاتب الشهر العقارى بإخطار مصلحة الضرائب بما يفيد شهر التصرفات الخاضعة للضريبة، وهو أمر أدى إلى خروج العديد من التصرفات غير المشهرة من نطاق الخضوع للضريبة؛ لذلك سارع المشرع إلى التدخل بالقانون رقم 11 لسنة 2013 فأخضع التصرفات غير المشهرة للضريبة، ما مؤداه اعتراف المشرع بعقود البيع العرفية وإخضاعها للضريبة، ثم عاد المشرع وأصدر القانون رقم 158 لسنة 2018 وألغى الاستثناء الذى كان يتمتع به الوارث، وأخضع تصرفاته للضريبة، وألزمه بسدادها خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تصرفه، كما ألزم مكاتب الشهر العقارى بالامتناع عن شهر هذه التصرفات ما لم يقدم صاحب الشأن ما يفيد بسداد هذه الضريبة، ولم ينص هذا القانون على أى أثر رجعى لأحكامه، ومفاد ذلك أن كل تصرفات الوارث فى العقارات التى آلت إليه بطريق الإرث السابقة على «26 يوليو سنة 2018»، تاريخ العمل بالقانون رقم «158 لسنة 2018، غير خاضعة لضريبة التصرفات العقارية.

ولكن يبدو أن هذه المبادئ الدستورية وتلك الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى به، لم تجد قبولاً لدى مصلحة الشهر العقارى، ففى تحدٍ صارخ لأحكام الدستور والقانون ألزمت المصلحة الورثة بسداد ضريبة عن العقارات التى تصرفوا فيها بالبيع فى تاريخ سابق على العمل بالقانون رقم «158 لسنة 2018» الذى لم يرتب أى أثر رجعى لأحكامه، ما أدى بالمئات إلى التوقف عن شهر التصرفات التى أبرموها!!

والأدهى من ذلك أن المصلحة تضرب عرض الحائط بمكاتبات مصلحة الضرائب إلى تفيدها بأن تصرفات الوارث قبل العمل بالقانون لا تخضع للضريبة، كما لا تعترف هذه المصلحة أيضاً بطلبات الشهر التى قدمها الورثة لشهر تصرفاتهم قبل العمل بالقانون، وتقاعست مأمورياتها عن إنجازها فى المواعيد المقررة، وتباطأت مكاتبها عن شهرها بحجة استيفاء ما يجب استيفاؤه!

وقد سمعت من بعض الزملاء، كما سمعت من العديد من المتضررين عدة أحاديث بخصوص امتناع مصلحة الشهر العقارى عن تنفيذ أحكام القانون على الوجه الصحيح، وكيفية إعمال أثاره على الحقوق والعلاقات سواء تلك السابقة على صدور القانون واللاحقة على صدوره، فأصابنى حزن كبير، زاد مما أعانيه أصلاً، من سماع وقراءة ورؤية سوءات الثقافة القانونية لكثير من الباحثين فى مصلحة الشهر العقارى، فكتبت هذه السطور راغباً فى تبيان وجه الحقيقة، مخلصاً من قلبى من حيث إرادة وصول الصواب لأهل القانون، موقناً أن معالى وزير العدل سيصدر منشوراً يوزع على مكاتب الشهر فى محافظات مصر بعدم خضوع تصرفات الوارث فى العقارات التى آلت إليه بطريق الإرث فى تاريخ سابق على تاريخ العمل بالقانون رقم «158 لسنة 2018» لضريبة التصرفات العقارية!