عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ضوء في آخر النفق

أفراح الأغنياء أو الميسورين ومتوسطي الحال في قريتنا كانت تحييها «الغوازي» والمطربون الشعبيون مثل محمد طه، و أبودراع، وخضرة محمد خضر وغيرهم. مازلت أذكر أنها كانت تغني موال بدرية السيد الشهير:

يا حلو قوللي علي طبعك وانا امشي عليه

الحب بدعة ونار والعة وانا امشي عليه

طلعت فوق السطوح انده علي طيري

لقيت طيري بيشرب من قنيٰ غيري

زعقت من عزم ما بي وقلت يا طيري

قاللي زمانك مضي دور علي غيري

ومع هذا كنا نعشق الاستماع لثومة وحليم ونجاة وشادية وعبد الوهاب ولم تؤثر مواويل الموالد والمناسبات، أو رقص الغوازي الرخيصات، علي لغتنا ورجولتنا، فلم نحاك المطربين الشعبيين في طريقة تعبيرهم هذه الأيام، ولم نتمايل بخصورنا ونهز مؤخراتنا وبطوننا، ونلعب بحواجبنا ونردح بأيدينا كما يفعلون!

المتشبهون من الرجال الرقاصين، بالنسوان البارعات في هز الخصور في الشوارع باتوا يخطفون الأبصار.. ويضفون لمساتهم علي رقصاتهم بحركات (البؤ) النسائية الشهيرة، و«التقصيع» برجولة(!!). الرقاصون تفشوا مثل عدوي  تنبئ عن حجم الفجيعة في القيم! تطورت رقصاتنا التراثية المحببة ،فمن التحطيب بالعصي، إلي ترقيص «الجياد»،علي إيقاع الطبول والمزامير، بطريقة تأسر الألباب، انتقلنا إلي رقص الرجال كغوازي شارع محمد علي زمان! كانت التربية في البيت عاملاً مؤثراً في الأخلاق وفرز الصواب من الخطأ.. وكان المسجد والكنيسة والشارع تساهم بطريقة «محسوبة» في تخليق الذائقة.

نعم رفاق السوء كانوا في الشوارع، ولكنهم كانوا أقلية، وكان «الترامادول» مجرد مُسَكِن يعلن عنه بالصحف. لم يعرف رقص المتخانثين كما شاهدناه.. ولم نسمع عبر أثير أو نري علي الشاشات إفيهات أو شقلباظات ورقصات  «محمد لامبورحيني» محمد رمضان سابقا، والذي أصبح ظاهرة !فبمجرد أن يحرك ساعديه  بطريقة دائرية، ويتمايل بسرعة ميمنة وميسرة، وهو يردد أي غثاء علي إيقاعات سخيفة، إلا وتفجعك الموجة العارمة من تقليد الصغار والكبار له!

تفزع وتموت كمداً جراء إعجاب الأطفال – ولاد ذوات أو متوسطي الحال أو أبناء الكادحين- بأدائه، وتقليدهم لحركاته ونطقه للكلمات ورقصه السخيف. "المدعوء" يحقق جماهيرية تقيم له إمبراطورية مالية، تجعله يتباهي بأسطول «اللامبورغيني»، والتي يصل سعر السيارة عند إدخالها مصر 39 مليونا و960 ألف جنيه + 71 مليونا و328 ألفا و600 جنيه = 111 مليونا و288 ألفا و600 جنيه قيمة الرسوم الجمركية وغيرها)!!

يفسد «لامبورغيني» بيه، هو والاعلانات السخيفة ذائقة أولادنا ،حتي أن المطاعم  «السريعة» أصبحت هي من يحدد ما سيتناوله أولادنا أسبوعيا! بل أصبح «الديلفري» هو الموضة!

-لكن الأسئلة الصعبة هنا ليست كيف انحط الذوق العام، بحيث أصبحت شوارع الغضب، وأولاد (الز…..)، والتليفزيون واعلاناته الشنيعة، ومحمد رمضان ولامبورغيناته الصادمة ..ومخلفات أغنياته، هم من يشكلونه، وإنما كيف ننسف هذا الغثاء؟ كيف ننقذ حياتنا وفي القلب منها أطفالنا المحاصرون بكل هذه القيم الفاسدة التي تخنقنا وتنكد عيشتنا؟ كيف؟ هل يمكننا أن نعاقب محمد رمضان؟! فلا شك أنه لا يترك أولاده نهباً لمشاهدة حشرجاته وأدائه الركيك. لا أظنه يسمح لهم بمشاهدته وتقليده مطلقاً! ألا يمكننا أن نذيقه من نفس الكأس، فنجبره علي السماح لأولاده بمشاهدته، حتي يتعلموا منه  ما يتعلمه أولادنا؟ إنه  العقاب الوحيد الذي يستحقه!