عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ذكريات قلم معاصر

 

 

 

 

إذا لم تكن الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة ما كنت كتبت هذا المقال.. ليس نفاقاً ولارياء.. بل لأن أعمالها فى كل موقع يغنيها عن أى نفاق ورياء.. مثل الأهرامات تغنينا عن الحديث عن حضارتنا كما قالتها أم كلثوم.. قد يكون موضوعاً شخصياً ولكنه أيضاً يحتوى جزءاً هاماً من تاريخ الصحافة المصرية.. جزء يعلمه البعض فقط.

<>

تخرجت فى كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول مايو 1950.. وكان طبيعياً أن أعمل بالصحافة لأن خالى ووالدتى يملكان أكبر جريدة فى الشرق الأوسط أو قل المنطقة العربية كلها.. وهى جريدة «المصرى» 1937 - 1954 الجريدة التى أقامت وفتحت صدرها لكل رجال الثورة كل ليلة.. نعم كل ليلة.. حتى إن الثورة اطلقت اسم عبدالناصر على الحديقة التى كان يسهر بها كل ليلة ليلتقى بكبار رجال السياسة الكبار وكبار الصحفيين.. خاصة محمد محجوب رئيس وزراء السودان الذى كانوا يعتبروه من أبرز رجال الثقافة والسياسة فى العالم كله وكان تعليمه فى انجلترا.. وأيضاً حفنى باشا محمود فقيه السياسة كما سموه.. مع أبرز رجال الصحافة أيضاً.

ظللت أعمل بـ«المصرى» حتى تمت مصادرتها لأنها كانت مصرة على الديمقراطية.. ورغم أنه كان من المستحيل أن أظل صحفياً فى جو 1954، إلا أننى كنت مصراً على أن أظل صحفياً وكذلك زميلى فى نفس الكلية والدفعة وجارنا فى العباسية الأديب ثروت أباظة الذى التحق بالعمل فى «المصرى» أيضاً، وكان هذا هو أول عمل له مثلى.. وكان معظم دفعتنا سفراء بعد التحاقهم بالخارجية والبعض عمل مدرساً فى كليات الحقوق التى أنشئت فيما بعد وأشهرهم كمال أبو المجد، وعمل آخرون بالمحاماة وأشهرهم عبدالرؤوف على.

المهم.. لم أمكث كثيراً بلا عمل.. لمحنى فكرى باشا أباظة فى النادى الأهلى فتعجب لوجودى لأن الأسرة كلها هاجرت.. فطلب منى أن أذهب إليه فى دار الهلال فى الساعة التاسعة صباح اليوم التالى.. كانت دقات حذاء فكرى باشا الإنجليزى تدق فوق أرضية رخام دار الهلال فى الساعة التاسعة إلا دقائق.. منتهى تقديس المواعيد والحرص على العمل.. قال لى فكرى باشا إن إميل بك وشكرى بك زيدان أصحاب الدار وافقا على أن تعمل معنا بشرط.. شرط أن تعمل فى باب الرياضة!!.. رياضة؟؟؟.. كل علاقتى بالرياضة أن أجلس فى النادى الأهلى أو نادى الجزيرة ولم تلمس قدمى أية كورة من أى حجم.. نريد أن تبعد تماماً عن السياسة والأخبار المحلية أو أى كلام خارج الرياضة.. ثم قام فكرى باشا من مقعده وأمسك ذراعى: تعال نقول لأصحاب الدار نحن موافقون!!

***

كان الموضوع مباغتاً وسريعاً ولا يعطيك فرصة لأى كلام.. ظللت صامتاً وتركت لعيونى أن تعبر عن الدهشة!! مكتبك مع ابن «المصرى» مرسى الشافعى وستأخذ نفس مرتب «المصرى».. هكذا قال صاحب الدار.. مرتبى فى «المصرى» أكبر من مرتب عم محمد نجيب نائب رئيس المصور فكرى باشا!! نهايته!!

***

ماذا أفعل؟؟؟ الإغراء لا يقاوم.. كنت أقترض قروشاً من أجل وقفة البن البرازيلى فى شارع سليمان باشا.. مرتبى كفيل بتغطية طلبات كل أساتذتنا شلة الوقفة المشهورة لمدة ستة أشهر!! كان لا حديث إلا «بابا نويل» يقصدون فكرى باشا أباظة!! خصوصاً رسامى الكاريكاتير رخا وصاروخان.. كان الإجماع على أن أعمل محرراً رياضياً!! زى بعضه ما دام ده رأيكم!!

***

فى عام 1954 زار مصر فريق المجر الذهبى بقيادة بوشكاش بعد أن فاز على انجلترا فى ملعبه أمام جمهوره 6-3 وكانت أول هزيمة لانجلترا على ملعبها!! فتحدت انجلترا الفريق المجرى وطلبت إقامة مباراة ثانية فى ظرف أسبوع ففازت المجر 7-1.. فأصبحت المجر وبوشكاش بالذات حديث العالم كله.. أخذت مصور الدار وذهبنا إلى سفارة المجر وأخذت حديثاً من بوشكاش بواسطة مترجم من السفارة والتقطنا فيلمين لبوشكاش..

كتبت 12 صفحة من المصور غير الصور يعنى ثلث المجلة تقريباً.. أمسك عم محمد نجيب الموضوع وقال: المحرر الجديد المجنون عاوز نلغى أبواباً من المجلة.. وصرخ مرسى الشافعى هذا أهم موضوع هذا الأسبوع وجرى إلى فكرى باشا الذى أيد مرسى الشافعى وزاد عليها بوضع صورة كبيرة لبوشكاش فى الصفحة الأولى.. قرأ فكرى باشا الموضوع بناء على طلب صاحبى الدار خوفاً من أن أكون كتبت أن المجر شيوعية والديكتاتورية وكلام مثل هذا فلم يجد فكرى باشا سوى كلام عن الرياضة وتاريخ حياة بوشكاش.. هنا قرر صاحبا الدار بأنفسهما أن أكتب كل أسبوع موضوعاً مثل هذا..

كان بعض الصحف قد كتبت عن فريق حسين حجازى الذى مات أفراده جوعاً وفقراً بعد أن أبهروا العالم.. فكانت سلسلة أحاديث أخرى وأخذت منهم صورهم القديمة التى فرح بها فكرى باشا لأنها صور نادرة لمجلة تهتم بالصورة.

***

أخطر تطور فى حياتي

زارنى فى مكتبى بالدار لطفى الخولى الصحفى اليسارى الكبير المشهور وهمس فى أذنى: خالد محيى الدين عاد ويريد أن يراك النهاردة بالليل فى كافتيريا «ملك بار» اسمها «البن وخمرة» كانت كافيتيريا مشهورة جداً ناصية سليمان وعدلى.

تركت لطفى الخولى فى مكتبى وهرولت إلى فكرى باشا الذى أخذنى بسرعة إلى صاحبى الدار.. وكان الثلاثة يتبادلون النظرات وأنا أقف صامتاً ومتعجباً!! سألتهم: قولوا لى أعمل إيه؟.. إنت مجنون؟؟.. ضرورى تروح وتحكى لنا صباحاً بالتفصيل عن كل شىء.. وقد كان.. لا أحد يعلم وصول خالد محيى الدين، وأنه سيصدر جريدة مسائية شيوعية من 11 شارع الصحافة أمام دار «أخبار اليوم» وهى دار ادجار جلاد باشا التى أصدر منها جريدة «الزمان» المسائية أيضاً و«الجورنال ديجبت» وطلب الخولى منى أن أعمل معهم!! قولوا لى أعمل إيه؟

- إنت مجنون.. ضرورى تروح.. الحكاية واضحة.. جمال عبدالناصر استدعاه ليصدر الجرنال.. هوه ده اللى حيحميك من صلاح نصر والمخابرات وكل حاجة!!

اتصلت تليفونياً بلطفى الخولى وكان أحد محررى «المصرى» زمان ولم يعمل من بعده فى الصحافة، فهو محام أصلاً وقلت له إننى تركت دار الهلال فقال لى: اذهب إلى مقر الجريدة فى شارع الصحافة ستجد واحداً اسمه مصطفى بهجت بدوى وهو مدير عام الجرنال الجديد وستجد كل شىء.

مصطفى بك كما كنا جميعاً نسميه.. قال لى مرتبك نفس مرتب دار الهلال الكبير وستعمل معنا فى الرياضة والماكيت ترك لك صفحة كاملة هى الصحفة الأخيرة.. رياضة تاني؟؟ أيوه رياضة تاني!!

***

وقد كان.. انفجرت قنبلة نووية اسمها «جورناليزم الرياضة».. الرياضة فى كل الصحف لا تزيد على ركن عمودين فى ذيل صفحة داخلية.. أنا بدأت بصفحة كاملة الأخيرة ثم تطورت إلى ثلاث صفحات.. توزيع أكبر من الصحف اليومية الصباحية.. قيل إن توزيع «المساء» أكبر من مجموع توزيع كل صحف الصباح.. وبدأت محاولات الاتفاق معى.. مصطفى أمين وقع معى عقداً لأعمل معه.. وكانت لنا علاقات عائلية معه.. فإذا بالمرحوم صلاح سالم يرسل لى إبراهيم نوار رئيس «الجمهورية» ليوقظنى لأننا كنا نسهر فى المساء حتى الفجر.. نزلت معه على أساس نشرب كوب شاي!!.. فإذا بى وجهاً لوجه مع المرحوم صلاح سالم الذى أصر أن أعمل معه فى الجمهورية ومساء معنا.. بدرجة أنه نقل المساء إلى مبنى الجمهورية لنتولى مسئولية الرياضة فى الجريدتين.

الموضوع تطور إلى أن وصل إلى الإذاعة ثم التليفزيون بمساعدة محمد لطيف وفهمى عمر وأصبحت الرياضة - وكرة القدم بالذات - هى وأم كلثوم سبب نكسة 1967 لأنها أفيون الشعب.. فى هذا العام قرر فتحى غانم رئيس التحرير أن أترك الرياضة وأعمل نائباً له.. الموضوع ما زال طويلاً طويلاً.. والسؤال هو:

- أليس صاحب ومفجر هذه النووية الرياضية يستحق إحدى جوائز الدولة؟

خلال حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك تم ترشيحى مرتين ولكنه رفض واسألوا زكريا عزمى.. اللجنة الأوليمبية الدولية بسويسرا قلدتنى دكتوراة الرياضة عام 1984 وهو ما لم يأخذه أى مصرى من قبل وحتى اليوم.. ومصر ترفض!! الكلمة الآن للدكتورة إيناس عبدالدايم.