رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

خارج السطر

 

لا أطيق السكوت، بالطبع ولا تسعدنى الصهينة على ما أعتبره خطأ. والحكاية أننى كُنت أتجول فى معرض الكتاب مُستنشقاً أريج المعرفة، مُستمتعاً بزهو الكلمات، ومُتصفحا عناوين ومعانى أترقبها عاماً تلو آخر.

وفى ركن إحدى المؤسسات الحكومية أسعدنى أن أجد مطبوعات تستشرف تاريخ بعض الشخصيات التاريخية العظيمة، وتُقدمها للقارئ المصرى، بعضها عن مصطفى كامل، والبعض الآخر عن أحمد عرابى، أو غيره.

غير أن ما لفت نظرى، هو أن أجد كتابا بعنوان السلطان سليم الأول، سُلطان العثمانيين، مُستعرضاً سيرته ومذكرا بعظمته. وامتدت يدى لأتصفح الكتاب ليصفعنى عنوان داخلى بعنوان «فتح مصر» يحكى تفاصيل الغزو العثمانى لمصر سنة 1517.

وتذكرت ما درسته وبحثته على مدى عقدين حول مآسى الاحتلال العثمانى لمصر، وكيف دفن العقل والإبداع والفكر المصرى قرونا من الزمان!، واندهشت كيف تقدم جهة مصرية على نشر ثقافة التسليم لعدو مُحتل غازٍ استثمر التخلف فى بلادنا، واستغل الناس ونهب الثروات باسم الدين؟ كيف يُعرض الاحتلال العثمانى باعتباره فتحاً؟ إن مشكلتى ليست فى الثقافة والمعرفة أو نشر الكتب لأى جهة حكومية، لكن فى المسمى المستخدم لتوصيف استعمار الأتراك لنا تحت اسم «فتح».

 إن من حق أى باحث أو كاتب أن يُسمى الغزو فتحاً، من حق مَن يُحلل أو يؤرخ أن يرى سليم الأول فاتحا لا غازيا، وبطلاً لا سفاحاً، لكن ذلك لا ينبغى أن يُقدم فى مطبوعة حكومية مصرية، لأن أحد ثوابت القومية المصرية هى أن مصر للمصريين، لا للعثمانيين ولا غيرهم، وأن الاحتلال العثمانى لمصر والذى استمر أربعة قرون كان وبالاً وغبنا وضعفا. هل يذكر أحد حدث خير واحد للمصريين فى أى تلك القرون: الـ16، 17، و18؟

ربما كانت مُصادفة قدرية حسنة أن يصدر فى المعرض نفسه كتاب فى إحدى دور النشر الخاصة، وهى «ميريت» للدكتور عماد أبوغازى الباحث التاريخى المرموق بعنوان «1517.. الاحتلال العثمانى لمصر». وكأنه يرد على مقولات مُتكررة لم تجد غضاضة فى الدفاع عن سفك دماء المصريين واستعبادهم من قبل آل عثمان بدعوى الانضواء تحت لواء الخلافة.

فى تصورى إننا فى حاجة لمراجعة الكثير من عناوين خاطئة فى تاريخنا على الأقل على المستوى الرسمى. فى كُتب المدارس لماذا لا نُعلم الأبناء أن مصر استعمرت قرونا وأن كل أجنبى حكمها كان مُحتلا؟ لِم لا نرُد غيبة الثائرين على حكم الأجانب عربا أو فرسا أو أتراكا ونعيد ذكرهم باعتبارهم مشاريع تحرر؟

إننا فى حاجة لأن ننظر للخلف بروية، بصفاء، بعزة، نُعيد تسمية الأمور بمسمياتها، ونُصحح سقطات دراويش استسهلوا تجميل القبح. لقد كُنا حتى وقت قريب نمر فى حى الزيتون فى شارع يحمل اسم السلطان سليم الأول، وكأننا نحتفى بذلك السفاح الغدار الذى قتل إخوته قبل أن يقتل المصريين ويستعبدهم. وما زال لدينا شارع باسم قرة بن شريك الوالى العباسى الذى أذاق المصريين الخوف والظلم، كما يوجد لدينا شارع باسم غازٍ آخر هو «قمبيز».

تلك خطايا يجب أن تُصحح.. والله أعلم.

 

[email protected]