رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

هذه السطور عن رواية قرأتها منذ فترة غير قصيرة، بدا لى عنوانها خادعاً، يلح مضمونها بالغ الدلالة على ذهنى بين فترة وأخرى؛ حيث يكشف عن جانب أساسى من الضعف الإنسانى فى طبائع البشر، فى كل زمان ومكان.

الرواية من تأليف الأديب التركى تحسين يوجل، وصدرت فى إطار سلسلة إبداعات عالمية الكويتية فى أكتوبر عام 2006. وهى سيرة للشاعر الثورى رحمى سونمز الملقب برسول، وكنت تصورت من عنوانها أنها تتناول أحد الرسل بالتناول، غير أن المضمون لم يكن له علاقة بما ذهبت إليه.

 يتناول الكاتب فى قسمها الأول السيرة الموجزة لرسول مغطياً معظم مراحل حياته كقسم تمهيدى يتيح فهم القسم الثانى الذى يغطى الأيام الخمسة الأخيرة له.

أبدع المؤلف فى تقديم عمله بشكل غير مألوف مقدماً إياها على أنها عبارة عن جهد جماعى لخمسة باحثين كتبوها بطلب من أحد رجال الأعمال، على أن ينشرها موقعة باسمه، بعبارة أخرى كتاب مأجورين لأباطرة المال، فكانت النتيجة عبارة عن بحث عن حياة وأعمال شاعر يسارى منسى هو صديق طفولة لرجل الأعمال المشهور بحيث يمنحه قليلاً من الرفعة، لكنه لا يجافى الموضوعية كثيراً، غير أن الأمر انتهى بهم لتقديم عملهم باعتباره رواية وليست بحثاً.

تحكى الرواية عن الأول شاعر ماركسى متمرد هو رحمى سونمز، والثانى فهمى غولمز التى ربطت بينهما صداقة استثنائية حولتها ظروف المجتمع وطبيعة شخصية كل منهما إلى النقيض.

وعلى مدار صفحات الرواية التى تتجاوز 400 صفحة يمكنك أن تلمس رسالة المؤلف التى تكشف عن تحولات البشر بين المبادئ والمصالح، وأنه فيما يصر البعض على التمسك بمبادئه باعتبارها تمثل الخلاص له ولمجتمعه وللبشرية، فإن آخرين يعصفون بكل القيم غير آبهين سوى بما يرونه مصلحتهم الشخصية حتى لو كان ذلك على جثث الآخرين!

لقد كان رحمى سونمز، وفهمى غولمز، صديقين من الحميمية بمكان ما يدفع الجميع فى الحى والمدرسة إلى تشبيههما بالتوأمين السياميين. غير أن المفارقة أن الصبيين اللذين بدا أنهما محكومان أحدهما بالآخر منذ الميلاد ينتهى بهما المطاف إلى مسار بالغ الاختلاف!

لقد شكلا صداقة قل نظيرها فقد تضامنا دوماً فى الشارع أو السوق أو فى ساحة اللعب فى المدرسة الابتدائية والإعدادية والثانوية، جلسا دوماً فى المقعد نفسه لعبا دوماً فى فريق واحد وشجعا دوماً النادى نفسه ودافعا دوماً عن الرأى نفسه.

ورغم أن رحمى (رسول) وفهمى بمظهريهما الجسدى وبنية عقليهما يكادان يكونان على طرفى نقيض غير أنهما فى الدروس واللعب والمشاجرات كانا يكملان أحدهما الآخر إلى درجة يتحول فيها التناقض إلى نوع من التماثل بحيث ان التفكير فى رحمى سونمز يستدعى التفكير فهمى غولمز، والتفكير فى فهمى غولمز يستدعى رحمى سونمز.

غير أن مسيرة الحياة العملية فيما بعد تفرق بينهما؛ حيث فيما يتمسك رسول بالمبادئ الثورية والكفاح من أجل انتصار أفكاره التى تنطلق من أساس ماركسى، فإنَّ فهمى يبدأ فى طرق مجال الأعمال، ويصبح له فيه باع كبير. وفيما يحاول رسول أن يخلص لمشروعه الفكرى بالعمل على إصدار مجلة كفاحية يعيش فهمى حالة من الصعود السريع.

كان من أثر ذلك تقويض صداقة عمرها سنوات كان صوت ضمير رسول معها يؤكد له أن «يسارييى» هذا البلد الذين يقوم فكرهم على رؤى مخالفة للنظام القائم إما أن يدفع بهم إلى الانحطاط، بمعنى التخلى عن المثل التى طالما أعلنوا إيمانهم بها فى مراحلهم الأولى من العمر قبل أن يذوقوا حلاوة الاقتراب من السلطة مثل صديقه فهمى وإما أن يزج بهم فى السجون.

فى جلسة صفاء وفى محاولة لتبرير موقفه راح فهمى فى نبرة أسى يشير إلى أنه ربما لم يحدث أى شىء «كما حلمنا فى تلك الأيام تطورت أمور كثيرة بصورة لم نرغب بها قط». ينتهى الأمر بموت صديقه فى غرفة صغيرة فى إحدى القرى مرتدياً ثياباً قروية بائسة اعتبره فعلاً عدائياً موجهاً ضده، ويصر على تنظيم حفل تأبين يبهر الأبصار له ربما بوازع من تأنيب ضمير، ربما ندماً على أنه تخلى عن المبادئ التى جمعتهما معاً.

رغم ما فى الرواية من طابع محلى سواء على صعيد الزمان أو المكان أو حتى على صعيد الشكل الذى كتبت به؛ حيث تعد بمثابة تطوير فى الرواية التركية، فإنَّ مضمونها الإنسانى يتجاوز تلك المحلية إلى مستوى عالمى متجاوزاً حدود الزمان والمكان، فقد تشعر وأنت تقرؤها أنك صادفت بطليها. اذكر أنا شخصياً أننى عشت حالة قريبة منها بطلاها كانا أقرب لبعضيهما من حبل الوريد إلى أن اختلفت الرؤى، فكان التباين فى المصائر؛ حيث إنه فيما ظل الأول طريد السلطة يتوارى عن الأنظار؛ بسبب أفكاره التى يرى أنها قد تسهم فى إصلاح مجتمعه، فإنَّ الثانى احتل الصدارة وحاز قدراً كبيراً من الثراء؛ بسبب انتهازيته التى كان يتندر الكثير من رفقاء رحلة العمر عليها.

وهذه هى الحياة.. كما رصدتها بشكل رائع رواية تحسين يوجل بغض النظر عما إذا كانت تعكس أيام رسول الأخيرة أم غير الأخيرة.. فذلك فرق لا يتجاوز الشكل إلى المضمون.

[email protected]