رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

فى شارع معروف بوسط القاهرة وبجوار نقطة شرطة التحرير هناك قهوة ليست لها شهرة واسعة ولكن وجود الكاتب الساخر الجميل فرفور فيها منحها ضوءًا وجعلها مقصدًا لأهل الأدب والصحافة، فى هذه القهوة التى تحتفظ بشكلها التقليدى المصرى ولم تنقل عدوى الكافيهات المتفرنجة إليها هناك الأرضية التى يتم فرشها ليلاً بنشارة الخشب والأرفف التى تحمل عشرات من عدة الشيشة والأسقف مرتفعة للأعلى حيث تتوسطها مروحة فى الصيف تشع حرارة خلال الهواء الساخن الذى تعيد تدويره فى المكان وفى الشتاء يفضل الرواد الجلوس فى الداخل وبالطبع هناك ركن محجوز على الدوام للكاتب الصحفى الكبير فؤاد معوض الشهير بفرفور صاحب القدرة على تكوين صداقات فى أى وقت وفى أى زمان فهو قادر على إضحاك البشر والحجر ومع أن الفرفور لا يستقر فى مكان واحد لفترة زمنية طويلة إلا أنه شعر بأن هذه القهوة هى أنسب الأمكنة بالنسبة لقربها من منزله ولوجود أصناف من البشر يعشقها فرفور ويحلو له أن يطلق ألقابه النارية التى سرعان ما تنتشر وترددها الألسنة. كان هناك رجل عجوز تعدى العقد الثامن من العمر وهو لا يتذكر عمره الحقيقى ولا مكان ولا موعد ميلاده وحتى اسمه ،هو يؤكد أنه يحمل عدة أسماء ولكن الاسم الذى أطلقه عليه فؤاد معوض ظل هو الاسم الحركى الكل يناديه به.. وهو «كراكولا» فإذا  طلب واحد معسل يقول الجارسون عندك معسل وشاى منه فيه للحاج «كراكولا» وذات مساء جلسنا الأستاذ والزميل والكاتب الصحفى إبراهيم خليل والعم فؤاد معوض.. وأنا فى ليلة شتوية.. كان الفرفور يتكلم عن طقوس الشتاء ويقول.. الجو كمان اتغير.. ومعادش الشتا اللى احنا عارفينه.. الشوارع اتشقلبت المواصلات والناس مش على بعضها.. بس الجو إزاى يتغير كده.. ح نقول الغلا والأسعار كهربت الناس.. طيب الجو ماله.. ومال الأسعار ويسأل الفرفور كراكولا.. معاك «حمام» والحمام بلغة «كراكولة» هو الفلوس.. فيرد الأخير.. ليه مأبج حمام من يومين.. وطار وغمز الفرفور للجارسون فيفهم الأخير أن الفرفور سيدفع جميع طلبات كراكولا العجوز الظريف.. وأنظر حولى فى الوجوه فأجد الجميع ينصت الى حوار فؤاد  معوض ولأننا فى ندوة ولأن الكل الزباين من عشاق الفرفور وعلى النصبة يقف أحدهم خلف المياه المغلية التى يتصاعد منها بخاراً يمنحك شعوراً بالدفء معنويًا وغير حقيقى وفوق هذا الشاب وعلى الجدران التى اكتست بصبغة سواء نتيجة تكاتف بخار الماء والتراب يتزين الحائط بصورة لجمال عبدالناصر.. والغريب أن كل الموجودين من الشباب الذين ولدوا لا أقول أيام عبد الناصر ولا السادات.. بل ولدوا فى عهد حسنى مبارك.. ويخرجنى الفرفور من سرحانى الطويل فى صورة ناصر ويقول.. أنت مذهول  من إيه.. أيوه الراجل ده لسه عايش فى قلوب وخيال الناس حتى الناس دول ـ وهو يشير الى الشباب ـ عبدالناصر له مكان فى قلوبهم.. أصل الحاكم مهما صرفت علشان تلمعه أو علشان تطفيه، عبدالناصر الأمريكان صرفوا دم قلوبهم والإنجليز علشان يشوهوا صورته.. لكن شوف ياعينى.. الشعب المصرى الواعى بالفطرة حط الرجل فين لحد دلوقتى.. فى قلب الدكان أهه.. وأسمع أصواتًا تترحم على خالد الذكر من بين الجلوس.. ويواصل الفرفور حديثه اللى زى ده حيموت إزاى.. لما الفلاح المصرى العدمان كان بيشتغل بالسخرة عند الباشا والبيه وبعدين ييجي ضابط ابن راجل غلبان.. يقلب أسرة بتحكم بقى لها 200 سنة وهى أسرة أثرت فى مصر وبنت مصر.. ويقول الفرفور انزل فى القاهرة الخديوية.. والله العظيم أجد لها من الشانزليزيه.. بس احنا اللى مش كويسين «يا قريبى».. يعنى لو شوية  التحف المعمارية موجودين عند الخواجة كان زمانه عمل فرح بيهم لكن احنا حطينا شوية دهانات وسيبنا محلات الجزم تكسر فى الأثر واتحط مكانه رخام.. شوه الأثر وبوظ المنظر.. ونرجع لمرجوعنا.. هكذا يقول الفرفور.. عمل عبدالناصر خلى الفلاح الغلبان يدوق طعم الملكية.. مسكه ورقة عقد الملكية.. العقد الأزرق.. بقى زين زى الباشا ح نقول ده صحيح.. ولا ده غلط.. أنا باتكلم عن الثورة والانقلاب اللى  حصل للعامل وللفلاح الغلابة.. الناس اتجننت بالراجل ده يا عينى هو صاحب أخطر تأثير عليهم علشان كده لسه عايش لحد دلوقتى مع انه مات من خمسين سنة.. ويترحم الفرفور على الولد الشقى السعدنى الكبير ويقول.. يا أخى أبوك والجيل بتاعه ح تلاقى لويس عوض وأحمد رشدى صالح وحسن فؤاد و حتى عمك على الشريف الممثل وعبدالستار الطويلة وعمك صلاح حافظ الصحفى الساخر الجميل كل دول عبدالناصر سجنهم وأهانهم بتهمة انهم شيوعيين أو معارضين وفى ناس اتحبست «10 سنين» زى صلاح حافظ لكن لما طلعوا من السجن ولقوا المجتمع اتغير والناس بتعشق الرجل ده وبعدين الحلم الوردى يا عينى اللى حلمه بالوحدة مع سوريا ومع العراق اتحول لكابوس فى الآخر.. الحلم ده له هالة لسه موجودة يا قريبى.. وكفاية انك تحسها فى الأغانى الوطنية وفى الناس اللى حلمت معاه.. صلاح جاهين وكامل الشناوى وحليم وعبدالوهاب ووردة وفايزة وأم كلثوم ده كان معاه جيش من القوى الناعمة.. الجيش ده خلاه يحتل قلوب كل العرب من طنجة لحد الصومال.. وأتذكر يوم رحيل ناصر وكنا أطفالًا صغارًا.. خرجت البنت الشغالة التى كانت تعمل عندنا.. وعادت دون أن تشترى الخبز وعندما سألناها مافيش عيش ولا ايه.. قال الناس موجودين فى الفرن بسمعوا الراديو وفى ناس بتقول إن «الأستاذ» عبدالناصر مات.. وهنا قال الفرفور.. هو عم محمود كان فين؟! قلت له.. كان سافر مع عم محمد رضا وعم ابراهيم نافع فى لندن.. ويضحك الفرفور ويقول.. أهو عمك رضا ده مش ييجي ثانى ولا ابراهيم نافع الفلاح ولا أبوك.. ولا.. أنا يا قريبي.. وأضحك أنا وابراهيم خليل.. ويضيف الفرفور.. أنا بأكلمكم بجد.. محمد رضا ده كان اجدع ممثل عمل شخصية ابن البلد وضبطها على الآخر بعد ما عمك السعدنى أخده الجيزة الجوانية وقعده مع المعلمين الكبار سرور أبوهاشم وسيد مخيمر واحمد عبدالعال وابراهيم نافع.. دول عملوا فرقة مسرحية اسمها «فرقة ابن البلد» وكان مجلس ادارتها مكونًا من «8» من كبار المعلمين فى الجيزة كان فيها عبدالسلام محمد وسعيد ابوبكر وانور محمد وآمال زايد وسناء جميل وسناء مظهر وعادل امام اول مرة يشتغل فى حياته برة فرقة المتحدين اشتغل فى الفرقة شوية وبعدين مشي منها.. المسرح ايام عبدالناصر كان فى عزه كل الناس اصحاب المواهب خرجوا فى العصر ده وعملوا حركة فى الريف المصرى كان الفلاح شاغل عمك عبدالناصر قوى علشان كده الثقافة الجماهيرية مسكها سعد كامل الله يرحمه ووصل للفلاح بالمسرح المصرى وبالمطرب الشعبى وبفرق الرقص الشعبية الأيام دى الناس سمعت موسيقى وطرب والدولة دعمت الفن زى ما كانت بتدعم رغيف العيش علشان كده ما كنش فيه ناس بتربي دقنها وتشيل كلاشينكوف، ياقريبى قطر الفن ده كان كل شويه يطلع بلد ياخد معاه شادية نجاة ووردة حليم وبليغ  حمدى والطويل ومحرم فؤاد ومحمد رشدى وماهر العطار ،المتعة دى ياقريبى مطلوبة فى المناطق المطرفة بعيد.. لما تنقل لهم الناس دي ويعيشوا فى وسطهم ويدوقوا طعم الفن وترفع الذوق فى القرية ح تلاقى العيال بتدور على كتاب على معلومة على فيلم على مسرحية لكن البلد لما تنسى الناس دول تفتكر  ح يدوروا على إيه.. «ما قلناه يندرج تحت بند محظور نشره».

قلت لعم فؤاد تفتكر ح نشوف ناصر جديد قال.. عبد الناصر بقى هو المقياس.. يعنى الراجل  الطيب الى حكمنا «30 سنة» حسنى مبارك.. الناس حست فى بداية العهد بتاعه انه عبدالناصر جديد.. بعدين لقيناه بيبعد، النهاردة السيسى الناس شايفة اهتمام بالمصانع يعنى العمال وفتح بيوت الناس وبعدين المليون ونص فدان يعنى ح أزود لاأرض وح اعمل فلاح جديد.. نسيو فلاح متخرج من الجامعة وعالم وعارف وده الزمن والتجربة لو اهتمينا بالناس وعملنا مشاريع والغاز خرج من الأرض البلد دى ح تنطر بعيد أوى يا قريبى بس اللى مزعلنى.. إن ما فيش بهجت قمر جديد ولا نعمان عاشور ولا يوسف ادريس ولا السباعى ولا عبدالقدوس ولا السعدنى ولا هيكل ولا على ومصطفى  أمين.. احنا لازم ندور على المبدعين عوزين رشدى أباظة وفريد شوقى وعمر الشريف واحمد رمزى وصباح ووردة وشادية وفايزة وحليم.. ده حليم لوحده.. يا قريبى.. خلى من عمك عبدالناصر اسطورة فى كل العالم العربى.. شوف موهبة زى حليم ممكن أثرها لحد فين.. هو ده اللى عاوزينه من الريس ف الفترة الجاية بإذن الله.

عاوزين ندور ع المواهب فى بر مصر.. وبالمناسبة الناس دى موجودة بس مين يلاقيها..

قلت للعم فرفور..، فات 100 سنة على ميلاد  ناصر.. بص للسما وقال يارب أعيش لحد ما احتفل بالمئوية الثانية هنا.. صاح كل من فى القهوة وأولهم كراكولا آمين!!