رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

عندما اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عند قيام إسرائيل عام 1948،  كانت المواجهة بين أنظمة حكم عربية تحكمها ملكيات أو قبليات  متخلفة وبين جيش استعمارى حديث حشد له الاستعمار الغربى أحدث الأسلحة وضم الفيلق اليهودى المكون من ثلاثين ألف مقاتل اشترك فى الحرب العالمية الثانية ضمن جيوش الحلفاء، ولم تكن التجربة الديمقراطية الوليدة والحقبة الليبرالية التى نشأت عن ثورة عام 1919 المجيدة وأعقبها صدور أول دستور ديمقراطى فى تاريخ الشرق وقيام أول حكومة ديمقراطية فى الشرق العربى، لم تكن هذه التجربة الديمقراطية التى كانت تبشر بعالم  عربى حديث لو رسخت واستقرت لولا أن تآمر عليها عدواها اللدودان!.. وهما الملكية المطلقة التى مثلها الملك فؤاد والاستعمار البريطانى الذى كانت جيوشه تحتل مصر وأفسد العدوان التجربة الديمقراطية الوليدة بحكومات أقلية وانتخابات ضرورة، ثم وجه لها الاستعمار البريطانى قبلة الموت بخطة شيطانية تمثلت فى خلق عصابة الإرهاب المتأسلم لاستبدال الولاء للوطن بالولاء للدين بدعوى إحياء  الخلافة الإسلامية، ونجح الديماجوج الذى جندته بريطانيا وكان شاباً صغيراً ذا اثنين وعشرين عاماً يدعى حسن البنا ويملك قدرة خارقة على التأثير فى سامعيه ، نجح فى مهمته وفى زرع الفرقة الكاملة بين عنصرى الأمة، كما قامت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948  كانت نتيجتها الحتمية هزيمة عربية ساحقة وتقسيم فلسطين وكان طبيعياً أن يتراكم الغضب الشعبى ويهدد بانفجار وشيك.

واستغلت مجموعات الضباط الوطنيين هذا الغضب العارم فى القيام بانقلابات عسكرية فى العديد من الدول العربية، بدأت بسوريا ثم مصر، وبدلا من إقامة أنظمة ديمقراطية ينمو على يديها الشعب ليواجه التحدى الحضارى الذى مثلته إسرائيل والاستعمار الغربى قامت هذه الانقلابات العسكرية بالحكم العسكرى المباشر أو المغلف بغلالة  مدنية، وكانت النتيجة الحتمية رسوخ التخلف الحضارى وعزل الشعوب العربية عن حكم نفسها، وتراجع أداء الأنظمة العسكرية وبدأ السوس ينخر فى حكوماتها، وكانت فرصة العمر لعصابة الإرهاب المتأسلم أن تصبح البديل الوحيد المعارض للحكومات العسكرية وأن تنتزع منه فى انتخابات عام 2005 فى مصر مثلا خُمس مقاعد البرلمان ثم تغازل الاستعمار الغربى وتطرح نفسها بديلاً لخدمته شريطة أن يمكنها من الحكم. وبعد أحداث وخطط سرية لا مجال لتفصيلها هنا قبلت أمريكا وحلفاؤها تمكين تيار الإرهاب المتأسلم من السلطة فى مصر مقابل قبول التنازل عن جزء من سيناء تقام عليه إمارة متأسلمة ويضم لقطاع غزة وتحل به مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً نهائياً، ويتم تفتيت دول الشرق العربى على أسس عرقية ودينية، وقامت حكومة أوباما بدفع ثمانية مليارات دولار لعصابة الإرهاب المتأسلم  مما مكنها من الفوز فى أول انتخابات رئاسية أعقبت ثورات الربيع العربى فى يناير عام 2011 التى بدأت فى تونس ثم تلتها مصر فى 25 يناير 2011، فى هبة شعبية كاملة لم تلبث إلا ثلاثة أيام عندما ركبتها عصابة الإرهاب المتأسلم وحولتها لحسابها بتقاعس واضح من المجلس العسكرى الذى تولى السلطة عقب سقوط حكم مبارك والذى سارع بوضع دستور تحكم الإرهاب المتأسلم فى إصداره عن طريق رئاسة اللجنة التى وضعته وعضويتها المسيطرة عليها.

ووصلت أول حكومة للإرهاب المتأسلم للسلطة فى يونيو 2012، ولم تبالِ بتسرعها فى محاولة أخونة المجتمع، فهبت القوى الوطنية دفاعاً عن الدولة المدنية التى استغرق بناؤها قرنين منذ عهد محمد على الكبير، وشاء القدر أن يخرج من صفوف المؤسسة العسكرية المصرية رجل تتمثل فيه الوطنية المصرية حتى النخاع هو عبدالفتاح السيسي الذى يقدم فى شجاعة على الوقوف مع الشعب فى إسقاط حكم الإرهاب المتأسلم.

وإذا بأشرار الحلف الاستعمارى الغربى ومعونة كل عملائه فى تيارات الإرهاب المتأسلم تحالف لإسقاط الحكم الوطنى فى مصر الذى أصبح العقبة الوحيدة فى وجه تنفيذ مخطط الشرق الأوسط المفتت على أساس عرقى وطائفى بعد أن نجح الشرير الغربى فى تدمير اليمن وسوريا والعراق والسودان وليبيا ولم تبق عقبة أمامه إلا مصر فيكشف عن وجهه الشائه ويعجل بإعلان انحيازه الكامل لإسرائيل والتمهيد بمنحها باقى الأرض الفلسطينية ومنحها القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين كلها ويعترف بها عاصمة أبدية لإسرائيل.

ويصحو عرب الشرق فجأة على كابوس ضياع كل شىء وعجز كامل عن مواجهة هذا الضياع الذى يمثله ضياع القدس وتحاول أنظمة الحكم القائمة عمل أى شىء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إن أمكن الانقاذ وتتمخض اجتماعات القيادات عن عمليات صراخ هستيرى واقتراحات بعضها يثير الضحك المبكى مثل تشكيل وفود لشرح قضية العرب العادلة للعالم وكأن العالم الذى عاصر  كل تفاصيل المؤامرة الغربية لا يدرى بالحقيقة، ويزداد الضحك المبكى عندما نسمع اقتراحات بالبحث عن وسيط سلام «نزيه» بدل أمريكا المنحازة غير النزيهة وغير ذلك من العبث.

ويقيننا أن الغضب الشعبى العارم ضد الأعداء حالياً سيتجمع فى سحب داكنة تتوجه فى النهاية ضد أنظمتها الحاكمة التى أوصلتها لهذا الهوان كما حدث عام 1948 وتمخض عن انقلابات عسكرية وترسيخ للتخلف السياسى والحضارى.

ولكن هذا الغضب يأتى بعد ثورتي عام 2011 و2013 وبعد أن سقط  حاجز الخوف تماماً بين المواطنين وبعد أن صار العالم قرية صغيرة لا يمكن إخفاء أى حقيقة عن الناس فيها، فهل لو حدث ما نتوقع يعيد التاريخ نفسه وتسمع الشعوب التى تفتحت أعينها تماماً مرة أخرى لدكتاتوريات عسكرية أو فاشيات متأسلمة أن تخطف منها كفاحها وثوراتها؟ نشك تماماً فى ذلك، وأمام هذه الشعوب مثل حى من شعب كان متخلفاً سياسياً وعسكرياً وصناعياً مثله هو الشعب الهندى بقيادة زعيمه العملاق جواهر لال نهرو الذى كان أحد العمالقة الثلاثة لحركة الحياد الايجابى بجانب زميليه عبدالناصر وتيتو، فبينما فضل زميله العدالة الاجتماعية على الحكم الديمقراطى أدرك العملاق العظيم نهرو أن بلداً مترامى الأطراف متعدد الأعراق والأديان واللغات مثل الهند لا يمكن حكمه الا من خلال ديمقراطية فيدرالية تراعى اختلاف الظروف المحلية وتؤدى بالضرورة الى تبادل السلطة. فوضع أسس الحكم الديمقراطى ودرَّب خلفاءه عليه لدرجة أن ابنته أنديرا غاندى عندما أصبحت ثالث رئيس وزراء للهند بعد وفاة أبيها أجرت انتخابات برلمانية خسرتها فسلمت السلطة فى نفس اليوم للحزب المعارض، أما زميلا نهرو عبدالناصر  وتيتو اللذان نبذا الديمقراطية فى سبيل ما سمياه عدالة اجتماعية، ففى حالة عبدالناصر سار من خلفه فى السلطة بمصر من أقصى اليسار لأقصى اليمين دون أن يجد من يردعه لأنه لم يكن هناك رأى عام ذو كلمة فى حكم بلده ، وأما فى حالة تيتو فبمجرد وفاته تفتتت يوغسلافيا إلى ثمانى جمهوريات خاضت حرباً أهلية طاحنة وتطهيراً عرقياً. وها نحن نرى الهند اليوم بفضل الديمقراطية التى أرسى نهرو قواعدها تصبح إحدى الدول العظمى التى تصنع سياراتها وطائراتها وترسل صواريخها الفضائية للقرم وتضمن الاكتفاء الذاتى من القمح لمليار ومائة مليون من مواطنيها.

فلو حدث ما نخشاه مستقبلاً للأنظمة القائمة فأى طريق يا ترى تختاره شعوب المنطقة، طريق نهرو أو طريق صاحبيه؟ الله أعلم.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد