يأتى لنا فصل الخريف، ويروى الأرض العطشة التى أرهقتها درجة الحرارة المرتفعة حتى أنها كادت أن تموت من كثرة العطش، ويسقى الأرض بقطراته حتى يخرج منها أجمل العطور، ويسعدها بهذه القطرات، ومن كثرة فرحتها به تفرح فى هدوء وفى صمت، وتبدأ فى إسقاط أوراقها الضعيفة التى هرمت، وتخرج عطرها الفواح الذى يعم فى كل أرجاء المكان، وبعد أن يسقط ورقها الهرم فإنها تعترى وتسقط الرداء الذى يدارى جسدها الفتى، الذى قد حان الوقت أن يغسله ماء المطر، ولكى يتمتع بشمس الخريف التى أنتظر كثيرًا على أعتابها حتى تأتى له بكسوة من الذهب أنيقة جدًا ورقيقة، وحتى تروى جسده بقطرات الندى، وترفع يده إلى أعلى السماء حتى يلوح للطيور ويرتدى معطف بلون السحاب، ويراقب الشمس تختفى ذاهبة وهى ذاهبة بعيدًا. إن فصل الخريف ليس فقط هو ثالث فصول السنة، بل انه أيضًا قد جمع كل فصول السنة معه، حيث ان فى هذا الفصل الخلاب يحدث تصالح بين المطر والشمس، ويحدث تساوى بين الليل والنهار، حيث ان هذا الفصل يحضر لنا الدفء قبل قدوم فصل الشتاء، ويحضر لنا الزهور وقطرات الندى، ويؤثر فى كل، الكون عندما ينشر ألوانه فى كل مكان، إن هذا الفصل من أجمل الفصول، هذا الفصل الذى عندما يقدما لنا فإنه يؤثر الجميع بجماله، وينتظر قدومه الجميع، إن الخريف له سحر مختلف، حيث انه الفصل الأخيرة الذى يقوم بكسوة الأرض بغطاء ذهبى، حيث ان الروح تهدأ، وتكن، وتسعد أمام هذا المنظر الخلاب، وترغب فى السير فى الطرقات على قدميها وسط هذا المنظر الخلاب، الذى لا يجعل الشخص يشعر بعدد الساعات التى قد مرت عليه أثناء مشيه على غطاء الذهب، هذا الشهر الذى يسعد قلوب الفلاحين عندما يأتى لهم بالخيرات الممكنة فى المطر الذى يسقى لهم الأراضى، وينبت لها الأشجار، ولهذا ترى كل فلاح يقوم بحرث أرضه وبذرها، وللأسف فصل الخريف من أقصر الفصول التى تمر علينا خلال السنة، هذا الفصل الذى ينشر الراحة داخل قلوبنا، فما أكثر سحرًا من الجلوس أمام النافذة مع شرب كوب ساخن، وأنت تتأمل جمال الكون كله الذى هيأ على صورة أمطار وأوراق صفراء تزين الأرض، وفى نهار الخريف يسرى بداخلك الدفء، وفى الليل تشعل النار وأنت تطلب الدفء من ليل هذا الشهر البارد، وترتدى الرداء الثقيل والمعاطف التى تحميك من هذا البرد والمطر الذى يأتى فجأة دون أى مقدمات، ودون أن ينذرك بقدومه. فكيف يكون هذا الفصل غير جميل هو ينبت الثمار، ويزرع لنا به البركة، ويسحرنا بجماله الخلاب، وأناقته الرائعة ولكن لا يمكن ان ننكر أن مع دخول فصل الخريف قد يؤثر بالسلب على المزاج العام لبعض الاشخاص وقد يسبب حالة من الاكتئاب واكتئاب الخريف هو مرض يصيب الإنسان بحالة من الخمول والإحباط والكسل، حيث يبدأ مع دخول موسم الخريف وسقوط أولى زخات المطر، حيث قال لشاعر الروسى بوشكين/ «أيها الخريف أى غرابة فيك تجعلك تشبهنى بحزنك كما تشبهنى بيوم فرحي»،. كما قال نزار غارقا فى الخريف
« لم يكن الربيع صديقى فى يومٍ من الأيام ولا تحمست لطبقات الطلاء الأحمر والأزرق التى يضعها على وجهه...ولا للأشجار التى تقلد راقصات الـ ( فولى بيرجير) الخريف وحده.. هو الذى يشبهنى.» وهذا يعتبر من أجمل ما قيل على فصل الخريف، ومهما مدحنا وقولنا فى فصل الخريف فإن هذا لن يوفيه حقه.