رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أنوار الحقيقة

قرأت فى صحيفة الأهرام (يوم الأحد الماضى 30/8 مقالا للكاتب الصحفى صلاح منتصر تحت عنوان حكاية من التاريخ، وقد بهرتنى هذه الحكاية، حيث ذكر الكاتب أنه كان فى أسكتلندا فلاح فقير وفيما كان يتجول فى أحد المراعى سمع صوت استغاثة وذهب إلى مصدرها فوجد طفلاً صغيراً يغوص فى بركة من الوحل فأخرج الفلاح هذا الطفل من الطين وأنقذه، وفى اليوم التالى حضر رجل يبدو عليه الثراء إلى الفلاح وقال له إنه أب هذا الطفل الذى أنقذه، وإنه على استعداد أن يعطيه أية أموال أو يقدم له أية خدمات لقاء إنقاذ ابنه، وتعفف الفلاح قائلاً إنه أدى الواجب مع الطفل الذى أنقذه لأنه مثل ابنه، فالتزم أب الطفل بتعليم ابن الفلاح على نفقته حتى آخر المراحل، وبالفعل تعلم ابن الفلاح وتخرج واشتهر بأنه عالم كبير باسم سير الكسندر فليمنج (1881 - 1955) وهو مكتشف عقار البنسلين أول مضاد حيوى عرفته البشرية، وذلك سنة 1929 ويعد له الفضل بعد الله فى القضاء على عدد هائل من الأمراض الميكروبية، وقد حصل ابن الفلاح لذلك على جائزة نوبل سنة 1935، وقد مرض ابن اللورد بالتهاب رئوى فأنقذه البنسلين الذى اخترعه ابن الفلاح الفقير، وكان هذا هو ونستون تشرشل الذى أصبح أعظم رؤساء وزارات بريطانيا (1939 - 1945)، وقد سألت طبيباً مشهوراً مصرياً منذ فترة عن سر نجاحه فى مهنة الطب والعلاج فى مصر فقال لى لقد درست الطب لأننى أحب أن أؤدى رسالة علاج المرضى حتى شفائهم، ولم أستهدف أن أكون غنياً وجامعاً للمال فقط!!

والآن فإن السائد فى مصر أن تكون أتعاب الطبيب المشهور فى الكشف الواحد من 500 إلى 1000 جنيه، وأجر العملية من عشرة آلاف إلى مائة ألف جنيه!! والمعروف أن 49٪ من الشعب المصرى يعانى من الفقر ولا يحقق دخلاً يزيد على دولار واحد فى اليوم، ولقد تمنيت أن يقوم أشهر أطبائنا بمعالجة ورعاية المرضى المصريين الفقراء دون مقابل فى حدود عدد صغير كل أسبوع وليكن خمسة من المرضي!! وتخيلت أن هؤلاء الأطباء سوف يعطون للمرضى الفقراء الذين يتبرعون بعلاجهم عينات الأدوية التى تقدمها شركات الأدوية إليهم، كما تصورت أن الدولة سوف تمنح هؤلاء الأطباء وساماً تقديراً لجهودهم التطوعية لعلاج فقراء المصريين مجاناً.

ولقد تذكرت ما حدث لى وأنا غلام صغير «13 سنة» فى الأربعينيات من القرن الماضى، حيث كان فى الشارع الذى تقيم فيه أسرتى فى مصر الجديدة عمارة أجرها الجيش الإنجليزى لعدد من  ضباطه، وفى يوم أثناء عودتى من مدرستى كان عدد من هؤلاء الضباط المحتلين يلعبون الكرة فى الشارع فاصطدم بى بقوة أحد هؤلاء اللاعبين فسقطت على الأرض على كوعى الأيمن فصرخت من الألم وأغمى علىّ حيث حدث لذراعى كسر مضاعف، وقد قام عدد من أصحاب المحال بالشارع بحملى إلى كرسى على الرصيف وقاموا بإفاقتى مع طلب الإسعاف وركب سيارة الإسعاف معى ثلاثة من هؤلاء لا أعرفهم، وذهبوا بى إلى مستشفى الدمرداش، وكان رئيس قسم العظام بهذا المستشفى طبيب كبير اسمه - على ما أذكر - محمد على بك الذى قام بإجراء عملية جراحية فى ذراعى تحت البنج، ولما أفقت من البنج وجدت ذراعى فى الجبس والطبيب الإنسان يلاحظنى بعد أن عرف القصة من المرافقين لى تطوعاً، وعندما أفقت سألنى الطبيب الإنسان عن محل إقامتى فقلت له مصر الجديدة فى الشارع الذى وقع فيه الحادث، واسم شارع سيدى جابر!! فقال الطبيب لما رافقونى متطوعين إنه ساكن بمصر الجديدة وسوف يقوم بتوصيلى بسيارته إلى بيتى، وبالفعل غادر الذين تكرموا بمرافقتى وتفضل الطبيب بنقلى إلى منزلى وطلب منى انتظاره فى الغد صباحاً أمام بيتى لكى يطمئن على نجاح العملية وللتخفيف من ضغط الجبس على ذراعى، وقد فعل ذلك بالفعل، ورفض أن يتقاضى من أبى فى اليوم التالى أى مبلغ لأتعابه، ورغم انقضاء أكثر من نصف قرن على هذا الحادث فإننى أذكر الآن فضل هذا الطبيب الإنسان الذي رفض أن يحصل منى إلى على أية أتعاب.

وأتمنى أن يسعد المجتمع المصرى الآن بأطباء من هذه النوعية الوطنية النبيلة التى تؤمن بأن الطب رسالة شريفة وإنسانية وليست استغلالاً لضعف المرضى أو وسيلة لتحقيق «الخمسة عين» أى العيادة والسيارة والزوجة والشهرة والعمارة أو (العيادة والعربة والعروسة والدعاية والعمارة)، وأتمنى أن تنظم أيضاً حصول هؤلاء الأطباء الممتازين على أوسمة رفيعة فى الدولة، مع نشر ذلك فى وسائل الإعلام المختلفة، والله قادر على مكافأة المحسنين.

رئيس مجلس الدولة الأسبق