رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

فى 30 أبريل سنة 1789 تم تنصيب جورج واشنطن كأول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، يحكى شهود الحفل أن الرجل ظهر مُرتدياً بذلة بُنية مصنوعة من قماش متواضع الجودة، ولها أزرار فضية وجوارب بيضاء وحذاء بسيط له ربطة فضية.

كانت ملابس أول رؤساء أمريكا رثة ومتواضعة وبعيدة عن الجودة حتى أنَّها لفتت أنظار المُحتشدين احتفالاً بميلاد العالم الجديد، ويبدو أنَّ الرسالة كانت واضحة من الدولة الجديدة لتقول إنه من الضرورى أن تكون ملابس رئيس الجمهورية أمريكية الصُنع رغم أن صناعة الملابس الأمريكية كانت ضعيفة وقائمة على تقليد بريطانيا وإسبانيا.

بحسب المؤرخين كان يُمكن لجورج واشنطن أن يرتدى أفخر الثياب، لكنَّه كان يُريد أن يقول للناس إنه يُشجع صناعة وطنه حتى لو لم تكن الأجود، ويوماً بعد الآخر نمت الصناعات الأمريكية وتطورت، وغزت العالم وصار لها اليد الطولى شرقاً وغرباً، وفرضت المنتجات والسلع الأمريكية نفسها على العالمين حتى تحولت إلى ثقافة عامة.

ويا ليتنا نتعلم كيف يُمكن لمسئولينا أن يخدموا أوطانهم إن هم عظَّموا مُنتجات بلادهم حتى لو كانوا يرونها أقل جودة.

إنَّنى لا أعلم على وجه اليقين من أى السلاسل التجارية يلبس رئيس الجمهورية، وهل ما يرتديه من قمصان وبدل وجوارب وأحذية صناعة مصرية أم مستوردة، لكننى أتذكر جيداً كيف بدأ سلفه الرئيس المخلوع محمد مرسى ولايته بشراء عدد من البدل والملابس التُركية ليظهر بها فى اجتماعاته وخطاباته دون أى اعتبار لمصانع مصرية يعمل فيها عُمال مصريون، قد لا يكونون على نفس درجة المهارة والكفاءة، لكنهم فى حاجة لاعتراف رمز مصر بعملهم.

أما الرئيس حسنى مبارك فكان فى بدايات عهده حريصاً على الظهور ببذلات صيفية لم تكُن تُنتج إلا فى مصانع المحلة حتى بدأ التحول عنها تدريجياً فى السنوات التالية.

والواقع أنَّ الصناعة هى القاطرة الحقيقية لأى تنمية اقتصادية لأنَّها الأكثر رسوخاً والأوسع تشغيلاً للعمالة، رُبما لا تكون الأعلى إدراراً للربح بالمقارنة بقطاعات أخرى مثل الخدمات أو الاستثمار العقارى، وربما لا تكون أقل خطراً من قطاعات سريعة فى دوران رأس المال مثل التجارة، لكنها بلا شك هى الأكثر تنمية والأكثر فائدة للوطن.

من هُنا فإننى أرى أنَّه ينبغى على المسئولين - أيا كانت مواقع مسئوليتهم - التزام أخلاقى بضرورة تشجيع الصناعة الوطنية بتفضيلها على غيرها من المُنتجات المثيلة، خاصة أن عيون العالم راصدة لهم أكثر من المواطنين العاديين.

إننى أعرف أنه رُبما لا توجد مُنتجات وطنية جيدة فى بعض الأحيان مثل الدراجات والساعات ونظارات الشمس، لكن ذلك لا يبرر استخدام مُنتجات أجنبية للمسئولين فى الدولة، لأنَّ ذلك يُرسّخ عُقدة الخواجة فى أذهان البسطاء من الناس.

وإذا كانت الدولة قد أصدرت قانوناً يحظر على الهيئات والمصالح الحكومية والعامة استخدام أى مُنتج أجنبى له بديل محلى، فإن مثل هذا القانون يجب أن ينسحب على المسئولين الذين يعملون فى مختلف المناصب العامة فيما يخص ملبسهم ومطعمهم ومشربهم.

ورحم الله جبران خليل جبران عندما كتب يوماً «ويل لأمة لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع».

والله أعلم.

[email protected]