عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

في شهر رمضان أميل إلى تعويض صخب الفضائيات بنوعية معينة من القراءات في الإسلاميات من علوم القرآن والحديث والكتب ذات الطابع التراثي سواء ما هو قديم أو حديث. ومن بين الكتب التي كان لها نصيب من القراءة أو إعادة القراءة بالأحرى الكتاب الفريد لعبد الرحمن الكواكبي طبائع الاستبداد، والذي يحتل موقعًا متميزًا في المكتبة العربية. فإذا كان الراحل إدوارد سعيد لا يذكر اسمه إلا ويذكر كتابه «الاستشراق»، وكذلك أديبنا الكبير يحيى حقي حيث لا يتم الإشارة إليه إلا مقترنًا بـ «قنديل أم هاشم»، فإن اسم الكواكبي يبقى علامة مسجلة على الحديث عن «طبائع الاستبداد».

ورغم أن الرجل يحاول أن يشير إلى موضع قضيته من علم السياسة التي يمثل أحد موضوعاتها، إلا أنه يقدم لك حديثه بلغة سلسة دون تعقيد تجعلك تستمتع بموضوع بالغ الكآبة. في تقديري أن عبقرية الكواكبي في كتابه أنه استطاع أن يقدم الظاهرة التي تناولها بأسلوب جامع مانع، لن يأتي من بعده بالكثير في مجال التنظير لها.. إنه ببساطة يعرض لك أهم المبادئ الأساسية للاستبداد وظروف تسيده وتأثيراته. خذ مثلا تعريفه للاستبداد فهو يقول إنه لغة اقتصار المرء على رأي نفسه فيما ينبغي الاستشارة فيه.  

ويوضح لنا الكواكبي أن صفة الاستبداد، على غير ما قد يتصور البعض ، لا تشمل فقط حكومة الحاكم الفرد المطلق الذي تولى الحكم بالغلبة أو الوراثة، وإنما يوضح لنا أيضا أنها تشمل الحاكم الفرد المقيد الوارث أو المنتخب متى كان غير محاسب! وهو يوضح لنا أن الحكومة من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والمحاسبة التي لا تسامح فيها. وفي عبارة بليغة يقول الكواكبي في معرض ذكر الأسس التي يستند إليها المستبد قوله إن «العوام هم قوت المستبد وقوته بهم عليهم يصول وبهم على غيرهم يطول». وهو يصل إلى قانون يتعلق بالعلاقة بين العلماء والمستبدين قوامه أن الغالب أن رجال الاستبداد يطاردون رجال العلم وينكلون بهم، فالسعيد منهم من يتمكن من مهاجرة دياره وهذا سبب أن كل الأنبياء العظام عليهم الصلاة والسلام وأكثر العلماء والأعلام والأدباء النبلاء تقلبوا في البلاد وماتوا غرباء!

وفي الأثر بالغ الضرر على الأمة يقول الكواكبي في كتابه إن الاستبداد أصل لكل فساد. وهو قد يؤدي بصاحبه إلى الغرور، فالمستبد لحظة جلوسه على عرشه ووضع تاجه الموروث على رأسه يرى نفسه كان إنسانًا فصار «إلهًا».

والمستبد في نظر الكواكبي محتاج لعصابة تعينه هم مجموعة وزرائه وعليه يخلص إلى أن وزير المستبد هو وزير المستبد لا وزير الأمة كما في الحكومات الدستورية وأنه بناء على ذلك لا يجب أن يغتر أحد من العقلاء بما يتشدق به الوزراء والقواد من الإنكار على الاستبداد والتفلسف بالإصلاح وإن تلهفوا وإن تأففوا ولا ينخدع النبهاء لهم وإن ناحوا أو إن بكوا. والخلاصة أن كل رجال عهد الاستبداد لا خلاق لهم ولا حمية ولا يرجى منهم خير مطلقا! وفي مواجهة هذا الاستبداد، فإن الكواكبي لا يرى أملًا سوى في عقلائها قائلا إن الأمة المأسورة ليس لها من يحك جلدها غير ظفرها ولا يقودها إلا العقلاء بالتنوير والإهداء.

وفي عبارة تلخص مجمل رؤيته يقول : إن الاستبداد داء أشد وطأة من الوباء، أكثر هولًا من الحريق ، أعظم تخريبًا من السيل، أذل للنفوس من السؤال، إذا نزل بقوم سمعت أرواحهم هاتف السماء ينادي القضاء القضاء والأرض تناجي ربها بكشف البلاء.

على هذا النحو يمضى الرجل في التنظير لظاهرة ربما كانت شغلًا شاغلًا في عصره ولم يكن من المفترض أن تظل كذلك، وإن لم تتح الظروف للأسف انقراضها أو اندثارها من المشهد.

[email protected]