عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

سطور

 

 كنا نتحدث الأسبوع الماضى عن المرأة الملهمة والمناضلة «لويز ميشيل», حيث حاولنا المرور سريعاً على قصة حياتها أو كفاحها.. الكفاح من أجل الحياة والوطن والمعرفة.. وتوقفت بنا السطور عند بعض أبيات الشعر الوطنية التى ألقتها «لويز» المكافحة فى المحكمة قبيل نطق الحكم بنفيها إلى إحدى المناطق النائية بالمحيط الهادى.

وقد تم الحكم على «لويز» بالنفى، وحملتها إحدى السفن إلى تلك البقعة النائية من العالم، والتى جلست فيها تقص قصة كفاحها على أفراد من قبائل «الكاناك» ذوى البشرة الداكنة ممن قيل إنهم آكلو لحوم البشر! وهو السبب الذى دفع «لويز» على التصميم لخوض تلك المغامرة أو دعونا نقول (المخاطرة) لزيارة أفراد قبيلة الكاناك (ذوى القلوب الطيبة) كما وصفتهم لنا «لويز» فيما بعد فى كتابتها.. فقد ذهبت إليهم بدافع من المعرفة التى لم يستطع حتى النفى أن يخنق رغبتها الدائمة والملحة فى الوصول اليها! معرفة الإنسان والحياة.. فقد عاشت فى شبه الجزيرة المعزولة تدرس زملاءها المنفيين معها الشرفاء منهم والمجرمون، وتدرس كذلك النباتات والحيوانات والحشرات.

وكانت محطاتها الأخيرة مع هؤلاء السود (ذوى القلوب الطيبة)، فقد ذهبت لتجلس معهم مجلس إنسان لأخيه الإنسان، لتتعرف بنفسها على حقيقة ذلك الإنسان الذى يسمونه متوحشاً، وهل هى حقيقة بالفعل؟ أم أنها أشباح الوهم المقصودة؟ ولربما كان هدف «لويز» الأسمى هو حمل زهرة حياتها وزهرة حياة الإنسانية (المعرفة) معرفة العالم لغيرها من البشر.

وأذكر معكم أنه عندما صدر قانون بالعفو عن «لويز», والسماح لها بالعودة لفرنسا، كانت قد ترددت كثيراً فى قرار العودة لوطنها، فقد كانت تريد أن تستكمل رسالتها مع هؤلاء الزنوج الطيبين، كانت تريد تعلمهم وتفتح لهم مدرسة يطلون من خلالها على نوافذ جديدة للحضارة والإنسانية.

ولكن رسائل والدتها التى تقدم بها العمر وأنهكتها أمراض الشيخوخة, جعلتها مضطرة لترك مكانها وسط أفراد قبيلة الكانك وحسم الأمر باتخاذ قرار العودة إلى حضن أمها «ماريان», وقلب محبوبتها «باريس».. المدينة التى تغيرت بفعل نضوج عمالها من حركة «الكومون» التحررية الذين أصبحوا أشد وعياً بالحقائق, وأكثر أدراكاً بوسائل تحقيقها إلا أن لويز قد أصابتها بكل أسف انتكاسة فردية كالتى قد تصيبنا جميعنا كبشر, فشملتها حالة من اليأس, أدخلتها تلك الحالة فى أحضان الحركة أو المذهب الفوضوى الذى انتشر وجوده فى فرنسا حينها, وفى عام 1883م تم القبض عليها وهى تحمل علماً أسود كشعار لليأس فى مظاهرة نظمها عدد من العاطلين ممن ينتمون للحركة الفوضوية, وقد تمكن عدد من أعوان البوليس من توجيه تلك المظاهرة إلى الأعمال التخريبية والنهب, ليتدخل البوليس ويقوم بالقبض على زعماء وقادة المظاهرة ومنهم «لويز» التى قدمت للمحاكمة مرة أخرى.

وقد تم الإفراج عن «لويز» قبل انقضاء مدة حبسها, ثم سافرت إلى «لندن» واستقرت بها, وقد أصيبت بالتهاب رئوى حاد وأشيع فى عام 1905 م أنها توفيت, وكتبت نعيها الصحف التى كانت تتحدث عن ثورة قام بها الشعب ضد قيصر روسيا.

وقرت «لويز» أن تعود لوطنها لتبشر بالثورة الجديدة, الا أن جسدها كان يستعد لفراق الحياة.. ففى 10 يناير من عام 1905م كانت الحياة قد سكتت فى هدا الجسد الذى عاش قصة لحياة غنية بالإنسانية العالية, وكانت تلك الكلمات هى آخر ما قيل أمام قبرها من الشاعر الفرنسى «فيرلين»:

(كانت منجلاً يحصد القمح الناضج خبزًا أبيض للفقراء).

وداعاً ملهمتى.