عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إذا اتفقنا على أن دراسة التاريخ لا تأتي بهدف مجرد سرد القصص والأحداث وكفى وإنما لاستخلاص العبر، فإن في تجربة الوجود الإسلامي في الأندلس أكبر العبر وفي القلب من هذه التجربة تأتي فترة ملوك الطوائف التي مثلت مرحلة مهمة من مراحل سقوط الحكم الإسلامي هناك.

ورغم أن هذه الصفة تطلق على مرحلة معينة من مراحل الوجود الإسلامي في الاندلس إلا أن تبلور مجموعة من السمات لها يؤهلها لأن تصبح مفهوماً يصح أن يطلق على أنظمة حكم تنطبق عليها هذه السمات في أي زمان ومكان، وهي ألزم ما تنطبق على أنظمة الحكم العربية في الفترة الحالية والتي تمثل نموذجاً يعيد إنتاج التجربة الأندلسية بحذافيرها.

وإذا كان هناك ما يطلق عليه في الغرب نظرية الحق الإلهي للملوك في الحكم، والتي تعد إنتاجاً غريباً خالصاً، فإنه يمكن القول إن مفهوم ملوك الطوائف يمثل المقابل العربي لهذه النظرية، وهو إنتاج عربي تماماً، ويمكن تحديد أهم ملامح حكم ملوك الطوائف فيما يلي:

* حرص الحاكم على البقاء في كرسي الحكم مهما كانت النتائج الكارثية لهذا الوضع.

* تعاون الحاكم مع الأعداء وتقديم التنازلات المختلفة لهم من أجل تعزيز استمراريته في الحكم.

* تشدق الحاكم بمصالح الأمة ومحاولته التأكيد أنها تأتي في المرتبة الأولى من اهتماماته رغم أن الواقع يؤكد دوماً أن العكس هو الصحيح.

* غالبا ما ينتهي الأمر بالملوك والأمراء والقادة المتنازعين على الحكم في سياق «حكم الطوائف» إلى زوال حكمهم واندثار دولهم.

* في أغلب الأحيان ينتهي هذا النوع من الحكم بالحاكم إلى نوع من الذلة والمهانة إما بالأسر أو بالسجن أو النفي خارج الوطن.

هذه هي المبادئ الأساسية التي يمكن استخلاصها من تجربة حكم ملوك الطوائف في الأندلس ووجدت تطبيقها بشكل أو بآخر سواء خلال حكمهم أو في فترات أخرى شابهت ذلك الحكم. فالمعتمد بن عباد أمير أشبيلية مثلا لم ير بأساً في سبيل تحقيق أطماعه أن يمالئ ملك قشتالة على إخوانه المسلمين وأن يتعهد له بدفع الجزية، فساعده على الاستيلاء على طليطلة وسرعان ما أدرك بعد ذلك سوء تصرفه وفداحة الخطأ الذي ارتكبه، حيث إن حليفه ألفونسو السادس ما كاد يفتتح طليطلة حتى انقلب عليه! وكانت نهاية المعتمد، فيما بعد، مصفداً بالحديد في قدميه في مأساة من أكثر مآسي الأسر الملوكية درامية!

وابن الأحمر حاكم غرناطة لما رأى تفوق الخصوم من ملوك الإسبان وأن القشتاليين يتجهون صوب ولايته آثر مصانعة ملكها فسار إلى لقائه في معسكر وقدم إليه طاعته وعاونهم في محاصرة أشبيلية والاستيلاء عليها.

أما المأمون بن ذي النون حاكم طليطلة فقد عمد في مرحلة من مراحل الصراع على الحكم إلى استئجار فرسان قشتاليين ليبطش بنظيره المسلم محمد بن جهور أمير قرطبة. ومن الغريب أنه قبل وفاته عهد بالحكم إلى ابنه الثاني يحيي ولما كان يحيي لا يزال حدثاً فقد عين للوصاية عليه حتى يبلغ الرشد بعض الولاة وكان من بين الوصاة الملك ألفونسو الخامس الذي كان المأمون يثق به ثقة خاصة ويعتبره أعز أصدقائه وأعظم عضد لطليطلة.

لقد مزقت الصراعات ورغبة ملوك الطوائف الـ«22» الذين تولوا آنذاك في البقاء على الحكم بأي الطرق الاندلس والتي انقسمت إلى دويلات حتى كان لكل مدينة تقريباً أميرها المستقل متخذاً لقب الملك أو الأمير أو الوالي أو القاضي حسب حجم المدينة أو المنطقة التي يحكمها!

فهل أصبحت ما يمكن وصفها بـ«روح» ملوك الطوائف تطاردنا؟ هل أصبحت جزءاً من جينات الحكم العربي، أيا كان الجالسين على كرسي الحكم؟ انظر خلفك أو أمامك.. يمينك أو شمالك.. وستجد أن الإجابة بالإيجاب!

[email protected]!yahoo.com