عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

قال الذى عنده عِلمٌ من الكتاب: هُم أقوى مما تتصور. أولئك البصاصون الذين كانوا يُحيطون بُكل شىء عِلما. يعرفون السقطات واللقطات، ويُمسكون بوقائع وفضائح، ويدرون ما يوجع غيرهم، لذا فُهم آمنون. ما لديهم يقيهم أن يذوقوا وبال أمرهم فى الدُنيا، وما يعلمونه من أسرار كافٍ لحمايتهم وتحصينهم من أى جزاء أو عقاب حتى لو حكمت المحاكم، ومهما غرّد المُغردون بأنه لا أحد فوق القانون.

ما جرى مع حبيب العادلى يؤكد ذلك، فالرجل بما يمتلك من أسرار وحكايات ووقائع قادر على حيازة الأمان حتى يلقى ربه والتنعم بما نهب وسلب بعيداً عن شرطة تنفيذ الأحكام. أخطأ عامداً، وأجرم قاصداً، لكنه بمأمن من العقاب، لأنه يعرف ومَن يعرف فى بلادنا آمن مادام مُتحلياً بفضيلة الصمت.

إنه من السذاجة أن نعتقد أن حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق أذكى وأمهر وأخبث وأقوى وأرزن وأقدر من أجهزة كُبرى ومؤسسات حكومية ورجال مُدربين وعقول مُختارة وشبكات اتصال وكاميرات مُراقبة ووسائل تتبع وقواعد معلومات. وليس من المعقول أن يُفلت مُتهم، ويفر محكوم عليه بكل هذه السهولة. لم يهرُب حبيب وإنما هُرّب (بتشديد الراء) وبُرهانى أن الرجل مُسن، مريض، ضعيف البنية، مكروه شعبياً، وليس سوبرمان ليتجاوز الحواجز ويخدع مطارديه، ويذوب كفص ملح فور صدور حُكم حبسه.

ما جرى مع حبيب العادلى ذكرنى بحكاية رواها المُحامى الشهير كمال خالد رحمه الله فى كتاب «شاهد على أغرب المحاكمات» عندما قص جانباً من جلسات محاكمة صلاح نصر فى قضية انحراف المخابرات سنة 1968. كان صلاح نصر رئيساً لجهاز المخابرات المصرية وكان يتباهى بقدرته على معرفة كل شىء عن كل شخص فى السُلطة أو النخبة وهو ما دفعه للوقوف غير عابئ بشىء عندما قرروا محاكمته فى أعقاب نكسة يونيو سنة 1967. فى القفص رآه كمال خالد واقفاً كالأسد الهصور يصرخ فى المصورين ليمنعهم من تصويره، ثُم يأمر الحرس بالإمساك بالكاميرات ليقتنص أفلامها وهُم يُطيعون دون جدال. الأنكى كما يذكر كمال خالد عندما وقف على نور الدين ممثل الادعاء يكيل التهم للرجل ويتحدث عن انحرافاته الأخلاقية والسياسية وجرائم التعذيب، هب صلاح نصر داخل القفص وصاح فيه «ما اتفقناش على كده فى المستشفى»، ثم نظر إلى الحارس وصرخ فيه قائلاً: «افتح يا ولد القفص» ونظر الحارس إلى رئيس المحكمة، ففوجئ به يقول فى استكانة «افتح له القفص»، وخرج صلاح نصر وهو يوزع الاتهامات والشتائم يميناً ويساراً.

كان المتهم أقوى من قضاته، وسجانيه، وجموع الشعب الغاضب، وكان من الواضح أن الرجل فوق القانون والدولة والعدل، وأن الرئيس جمال عبدالناصر بكل ما عرف عنه من جبروت وحزم لا يمكنه محاكمة الداهية الأخطر لأنه يمتلك ما يحوّل المدعين إلى متهمين، وحملة سيوف التطهير والمحاسبة إلى مذنبين، فأخطر شىء فى بلادنا أن تعرف. ومن الواضح أن حبيب العادلى يعرف كثيراً.

والله أعلم.

[email protected]